عندما زحفت الأطراف إلى العاصمة… حراك الشارع الأردني بدأ «يتَلوَّن» بعد ليلة ساخنة/ بسام البدارين

عندما زحفت الأطراف إلى العاصمة… حراك الشارع الأردني بدأ «يتَلوَّن» بعد ليلة ساخنة

بسام البدارين

انضم الحراكيون في المحافظات المهمشة في الأردن إلى الاعتصام المركزي في عمان العاصمة في أسخن ليالي الاعتراض. بعد ذلك مباشرة «تلونت» معطيات الميدان بأكثر من لهجة ولغة وسلوك وبرزت تلك التساؤلات عن الخطوة التالية والهدف، وسط الإغراق في الحسابات الأمنية والاجتماعية.
«حراك المحافظات يستعيد عاصمته»… هذا ما قاله معلقون اجتهدوا لتصوير المسافة الفاصلة ما بين خطاب التيارات المدنية الشابة التي أحاطت منذ أسبوع بمقر رئاسة الحكومة وخطاب حراكات الأطراف التي تتميز بجرأة أكبر وتريد تغييراً جذرياً وتنهمك عادةً برفع سقف الهتاف.
حتى فجر الخميس ظهر أن التحرك المدني للطبقة الوسطى وأبناء العاصمة العاطلين عن العمل تعرض لاختراق مفاجئ كان من بين النتائج الطبيعية لعدم تحدي أي مسؤولين لا من الحكومة الجديدة ولا السابقة مع الناس. خلال دقائق فقط اختلطت الدعوات المدنية الخالية أصلاً من برنامج واضح أو محدد أو قيادات تمثلها بشعارات لها علاقة بالإخوان المسلمين المتأخرين بكل حال عن الموجة ثم بهتافات ما يوصف بحراك العشائر التي تسقط كل المحرمات.
عملياً الأضواء لاحقت طوال الوقت حراك العاصمة وحركته المدنية لفتت أنظار السفارات والحكومات المجاورة وسلطة الحكم المركزية وطوال سبعة أيام خطف شباب العاصمة المستنيرون الأضواء فيما تحركت الأطراف وحظيت بالحد الأدنى من الاهتمام والتغطية الاعلامية. وعليه شكل ميدان الاعتصام الرئيس في العاصمة منطقة «جذب» وقرر حراكيون أن تقول المحافظات كلمتها في عمق التصعيد في عمان حتى يسمع صاحب القرار ويرتفع الصوت حتى قبل منح فرصة كمون من أي نوع لرئيس الوزراء الجديد.
لذلك تحرك أبناء عشائر وممثلون لمناطق مهمشة وتسلموا المايكروفون قليلاً وسط الحركة المدنية… حصل بعض التدافع وأصيب خمسة من رجال الأمن وتجادل الجميع بواقعة «طعن» مفترضة لدركي تبين لاحقاً انها انطوت على مبالغة. كانت ليلة مختلطة بكل المعايير وبسبب اندماج الخطاب المتشدد إصلاحياً بالدعوات المدنية الطابع تغيرت معطيات الحراك الشعبي وستواصل التغير إذا قرر أبناء الأطراف السهر للاعتراض بقية أيام شهر رمضان المبارك في عاصمتهم وسط أجواء مشحونة قليلاً ليس فقط لأن رجال الدرك والأمن «تعبوا» واضطروا لإعلان منطقة الدوار الرابع «عسكرية مغلقة» ولكن لأن القرار المركزي في الدولة لا يزال عند السماح بالتعبير السلمي.
عموماً كانت مناورة من حراكيين ونشطاء في المحافظات للاستعراض في عمان العاصمة وبالقرب من رئيس الوزراء الجديد الدكتور عمر الرزاز الذي بدأ فقط أمس الخميس مشاوراته مع النقابات المهنية والسلطة التشريعية ممثلة بمجلسي الأعيان والنواب تمهيداً لتشكيل الحكومة.
في كل حال وجراء ما حصل من زحف حراكي من الطرف إلى المركز وخلال ساعات فقط ما بين الإفطار والسحور «تلونت» معطيات الحراك الأردني ما بين شعار يضغط لمساعدة الرزاز في إسقاط قانون الضريبة الجديد ومنحه الفرصة للتخلص من تدخلات مراكز قوى في هوية أسماء طاقمه وهتاف يطال القصر الملكي احياناً ويطالب بما لا يمكن عملياً تحقيقه من وزن إعادة الاموال المنهوبة ومحاكمة فاسدين مع اهازيج تتهم الدولة ببيع المطار والميناء وأخرى تشتم عائلات وتريد محاكمات.
بعض الفوضى رافقت الخطاب المشار إليه وبدا أن الأمن قريب من فض الاعتصام برمته جراء تبدل أحوال الخطاب والتصعيد وإفلات – وهذا الأهم – هوية الحراك المدني وتغريده خارج السرب وبصورة أقلقت النقابيين من احتمالات استثمار السلطة للمشهد والتراجع عن إنجازات تحققت على الأرض.
هذه الموجة الانفعالية لاستعراض أبناء المحافظات وسط العاصمة أخرجت العديد من الأسئلة إلى السطح: من هم بصورة محددة المعتصمون وما هو برنامجهم وما الذي يريدونه ومن الجهة التي تمثلهم؟
طبعاً تطرح هذه التساؤلات من باب التشكيك والسعي لوقف حركة الشارع الخارج تماماً عن سيطرة النقابات المهنية والإخوان المسلمين الخبراء بالعادة بضبط الشارع والذين يغيبون عن المشهد الآن ولأسباب غير واضحة وإن عبروا في الماضي عن «خبرات متميزة» في التعاطي مع ضبط الشارع بإقرار سياسي كبير تحدث لـ»القدس العربي» من وزن الدكتور ممدوح العبادي.
الحاجة ملحة لإطار يمثل الحراك المدني الذي اطاح بوزارة الرئيس هاني الملقي والجمهور غير المعني اصلا بالاعتصام بدأ يشعر بالضجر ويسأل:ماذا بعد؟. هنا حصرياً بدأ الرفاق في التيارات السياسية والقومية النقابية تحديدا يحذرون من «ركون إخواني محتمل لموجة الحراك» وبلهجة تحاول استحضار مشاهد مصرية لا يمكن استحضارها في اي حالة أردنية.
حضور الإخوان كان قد برز فعلاً في الصراخ ضد خيارات التهدئة لقادة النقابات المهنية وملامح الجماعة بدأت تتسرب من أمسية الثلاثاء الماضي إلى اعتصامات شوارع عمان، الأمر الذي لم يعجب كثيرين أخفقوا أصلاً في ترسيم هوية وملامح الاعتراض ومراحله وبرنامجه خصوصاً بعد الخطوة الوقائية السريعة التي أطاحت حكومة وقفزت بأخرى.
بمعنى آخر مع غياب «هيئة مرجعية» تضع برامجاً من أي نوع لمطالب الحراك المدني أو «البرتقالي» على حد تعبير بعض الآراء التي تشكك في حركة الناس في العاصمة بدأ المشهد يتفكك واختلطت الألوان على أساس ملامح إخوانية بدأت تظهر ومزاحمة «مناطقية» وأحياناً عشائرية وبصورة أدت «لتلوين» الحراك وهي حيثية مستجدة تماماً على المشهد برمته ومفتوحة الاحتمالات. والاحتمالات قد لا تكون سلبية حصراً على مطالب الشارع لأن رفع السقف قد يفيد أي طرف وكـذلك تلوينـه.