سواليف الضباع /أحمد حسن الزعبي

سواليف الضباع
أحمد حسن الزعبي

مد ساقه اليمنى قليلاً، فسُمع صوت “طقة” صغيرة من المفصل ،استمر بإعادة ترتيب الوسائد تحت إبطه ، إبريق الشاي يغلي على الصوبة ، وشلاش يستبق الجميع بكسرة خبز يضعها على شبك الفوجيكا ويده اليسرى تدعمها،ثم يقلبها على الوجه الآخر كلما احترقت أطرافها.. شايش يحفّ بطاقة “أم الدينار” ليشحن بها رصيده المنتهي..يحيى يستخدم مؤخرة قلم الحبر في صنع دوائر متساوية في قشرة برتقال مرمية…انه الملل..

عيشة تضع “الحفّارة” جانباً بعد ان نهرتها أمها قائلة وهي ترى الطرف المعدني يخرج من نصف حبة الكوسا الأسفل: “كسرتيها؟؟ ..قومي من صباحي” ثم تنقل “الكوساية” إلى سبع “كوسايات” ركنتهن أمها على جنب بسبب الإصابة مثل جرحى الحروب…كرمة العلي تحتج على أم يحيى: ” طولي بالتش إنت الأخرية”..

ضبع يهرول في مرج أخضر..على شاشة الــ 20بوصة!..وأبو يحيى يعلّق بعفوية مندمجاً : يلعن ولاياك!..ينتبه الجميع إلى الشاشة مع عبارة “يلعن ولاياك” ..يهمس شلاش بأذن عايش :بتعرف انه أبوي لقاه ضبع مرة..!!عايش: يزمّ..أبوك عمره ما طلع من الدار!!..منين بده يلاقيه ضبع؟..فيرفع شلاش صوته سائلا الوالد: مش أنت يابا لقيت ضبع زمان!..يغمغم ابو يحيى بالإجابة ويده تحت فكه الأسفل: زمان واني شب قد يحيى..فيصرّ الأولاد شايش وعايش وعيشة على أبيهم أن يروي لهم القصة بينما يبقى يحيى ملهياً بصنع دوائر على قشر البرتقال..فيستند أبو يحيى راوياً:

( هاظا الحكي زمان..ودّاني رحمة أبوي أطلّ ع الزرع ، قلي أتفقد القمحات خوف لا يقرب عليهن حلال..قبُل لا كان سيارات ولا تحزنون..المهم امشي وامشي وامشي ..وصلت السهل بعد العصر..لفّيت حوالين الزرعات ما فيش إشي طوال ومسبّلات ما شاء الله عليهن!! …بعدين قلت ماني جاي وجاي..خليني أجيب شوية “دنيدلة..وكزبرة برية..حش يا ولد..هظول لايقات هظول حوينة عليهن هظول طريات ..تا اغربت الدنيا عليّ..وأني أعبّي واحط بفرج الثوب ومش داري عن حالي …ويوم عتّمت العين…..قلت خليني ألفّ سيكارة هيشي قبل ما أروّح ، رحمة أبوي كان شديد علينا –الحضور تعيش- أبو يحيى يرد: ومن قال عاش…ثم يستأنف الحديث ..قرمزت ولفّيت سيكارة وصرت أعجّ…ولا انو اشي صاخن وراي قاعد بيهمّر..لديت بطرف عيني! ولا انو ضبع…

هنا امتقعت وجوه الأولاد وحبست أنفاس الصغار …بينما عاتبته كرمة العلي وهي تفرك مسبحتها: “يقطع نصيبك ع هالسوالف كيف بدي أروّح هسع”؟!…فيتابع أبو يحيى روايته: اصبري يا مرة…قلت له: ولك أبو الفطايس..(يضحك الأولاد وتفرج أساريرهم)…قوم انقلع من هون…ما ردّش!!! ظل يهمّر ويحوم حوالي…تذكرت رحمة أبوي- تعيش!..ومن قال عاش..- يوم كان يقول ..الضبع بيخاف من النار..طلت قدّاحة الكاز من جيبة السروال ..وصرت اقدّحّ له وهو يرجع لورا…

تحفّز الأولاد أكثر..سرّوا من دهاء الوالد وقدرته على مواجهة الوحش الكاسر…نصب شلاش رجله متحفزّاً: وبعدين يابا!…حكّ أبو يحيى مقدّمة رأسه من تحت الشماغ ثم ثبّت العقال وأكمل الرواية: وأني بقدّح …وتخرب القداحة!!…عيشة: يا يمّة…شلاش: يرفع بنطلون الرياضة فوق ركبتيه بسبب تفاعله مع القصة “إيييه”؟…أبو يحيى يخرج سيجارة جلواز ثم يدق مؤخرتها بتنك الصوبة ويشعلها بكبريتة الثلاث نجوم..ويتابع: وأجيب حجرين صوّان..وأقدحهن ببعض…والشرار يقدح من قدّام وورا…تا يخاف ملعون هالحرسي..أبّووود…كل ماله بيقرب علي أكثر….سحبت كرمة العلي أطراف ثوبها وغطت رؤوس أصابع رجليها وهي تقول “تشيف هيك يا غبصة”؟…عايش: يا الله يابا شو صار؟…

أبو يحيى : قلت ما ظلّش بدي أشلح له زقّ…رحمة أبوي- تعيش / ومن قال عاش- قال ما بيخوّف الضبع إلا الزلمة الزقّ…نسفت الثوب عن ظهري ..أنكبن الكزبرات و”الدنيدلات”..وقرمزت قباله “ربي كما خلقتني” …كنت واني شبّ بخوّف لما اشلح زقّ..مش مثل هسع!!…أم يحيى بالتزامن مع خروج الحفارة من طرف الكوساية : يا هملالي….(كرمة العلي تتمتم: يقطعك ويقطع سوالفك)…

ثم يكمل أبو يحيى ..هو الضبع شاف هالشوفة…ما ظل براسه عقل…وركاااض…الغبرة وراه..ع مدّ عينك والنظر…عاد يوم خمدت الغبرة….لبست ثوبي..ولميت عشباتي حطيتهن بفرج ثوبي…وآجي مشمّل ع دارنا…

شلاش: يابا يابا ليش هسع فيش ضباع!!..

أبو يحيى: لأنه الناس زِقّ يابا!!.