الطابور الخامس / سهير جرادات

الطابور الخامس / سهير جرادات

يطلق مصطلح ” الطابور الخامس” على مروجي الاشاعات المشككة بالحقائق، والذين يهدفون من ورائها الى التخريب والتضليل على بعض القضايا، أو اغتيال الرموز الوطنية ، وجر العباد إلى “حرب نفسية ” أو ” الحرب الباردة ” ، لتخدم مصالحهم وولاءاتهم المزدوجة
الأمر المثير للاستغراب أن “الطابور الخامس” يضم شخصيات لا ترتبط بطبقة معينة ، ولكنها مؤثرة في المجتمع ،ولها قيمتها السياسية ، أو الثقافية أو الاجتماعية.
ومن المؤسف أن هذا ” الطابور الخامس” ظهر اخيرا بكثرة بين صفوفنا، حيث خرجت شخصياته علينا بشائعات غير مقنعة ، لا يتقبلها العقل البسيط ، لضعف اخراجها ، وبُعدها عن المنطق ، وقربها إلى الخيال ، يتم تداولها عبر وسائل التواصل الحديثة المختلفة بسرعة انتشار النار في الهشيم؛ لنشر الرعب بين الناس ، وزعزعة ثقتهم بالأجهزة الأمنية ، وخلق حالة من عدم الاستقرار.

هذا الأمر يستوجب من الجميع التوقف عنده لخطورته ودوره التدميري في بنيان المجتمع وخاصة ان وجدوا فيه ثغرات لاستغلالها، وتزداد خطورته لأن مروجي هذه الشائعات يتحدثون عنها باقتناع كامل، رغم أنهم ينتسبون إلى فئة شعبية متعلمة ، وطبقة مثقفة مرتاحة ماديا إلى درجة كبيرة ، إلا أنهم في تفكيرهم لا يختلفون عن أولئك الذين يمتلكون ضيق الأفق ، ويتصفون ببساطة التفكير، وقدراتهم التعليمية ضعيفة , ولا يمتلكون قدرة على تحليل الأمور بصورة جيدة ، إلا أنهم يلتقون معا في كيفية التعامل مع الاشاعات الركيكة ، ويتعاطونها بطريقة ساذجة لا تفرق بين المتعلم والجاهل ، وبين المتنور والمنغلق بفكره وخبراته.
نحن متفقون بأن تأثير الشائعات قد يكون في بعض الأحيان مدمرا ، وفي أحيان أخرى مجرد ” بالونات اختبار ” يتم اطلاقها من بعض الأجهزة؛ لمعرفة حقيقة الأمور ودراسة الواقع ، ووضع خطط وسيناريوهات لضبط الأمور، وحلها والسيطرة عليها في حال حدوثها على أرض الواقع ، وعليهم أن لا ينسوا أن من الاهداف غير المعلنة لنشر الشائعات تحطيم القيم الشعوب وأخلاقياتها، وزرع الخلاف بين الحكومات وشعوبها ، وغرس بذور الفرقة بين أبناء الشعب الواحد ، إلى جانب خفض الروح المعنوية ، وزعزعة الثقة بالقائد وأجهزة الدولة ، والأجهزة الامنية، التي هي العمود الفقري لكل الأنظمة.
وعلى الجميع أن لا يغفل أمرا في غاية الأهمية يمكن ان يستغله الطابور الخامس وهو تردي الوضع الاقتصادي الذي يوفر بيئة خصبة لتكوين ساحات للحرب النفسية أو الباردة التي تعتمد نشر الشائعات أسلوبا لتوليد الخوف ، وبث الدعايات التي من شأنها زيادة حدة التوتر لدى افراد الشعوب ، من خلال ممارسة الضغوط الاقتصادية عليهم.
إن ما جرى اخيرا في بلدنا العزيزة التي نفتديها بالغالي والنفيس، يدعونا إلى التوقف ، وتحليل الأمور ودراستها من جميع النواحي ، بعد أن أظهرت المضامين مدى ضعف الانتماء والولاء لدى بعضهم ، رغم أنهم لا ينتمون الى ذلك ” الطابور الخامس “، لكنهم يعانون فراغا، بشتى أصنافه سواء الديني ، أو الحزبي ، أو الفكري ، إلى جانب أمر في غاية الأهمية وهو ضعف الانتماءات الأسرية ، والولاءات العشائرية التي اضعفت عمدا ، بحيث أصبح لا يوجد كبير بداخلها ، لنخالف بذلك المثل القائل : ” الي ما له كبير، بشتري كبير “.

وعلى الجميع أن يكونوا على درجة كبيرة من الوعي ، ولا يرددوا الشائعات التي يطلقها هؤلاء الحاقدون والمرضى النفسيون ، ولا يلتفتوا إلى تلك البالونات التي تطلق للاختبار ، لما لها من تأثير سلبي على المجتمعات وتهز أركانها ، كما يتطلب ذلك من الأجهزة الأمنية أن تحلل تلك الشائعات التي اطلقت من حيث الشكل والمضمون ، وتدرس الفئات الموجهة لها ، لتتصدى لها ، وتحدد من المستفيد منها.

من الواضح أن الاشاعة الأخيرة ، أو حتى الفقاعة – لو كانت كذلك – وضعتنا أمام المحك ، وأصبح لزاما علينا أن نفكر مليا بما جرى ، وأن نحلل الأمور بروية لنحافظ على بلدنا الذي يعد وجوده من وجودنا ، وكرامتنا من كرامته ، وقوته من قوتنا.