رسائل الاحتجاج في الشارع الإيراني/ ياسر الزعاترة

رسائل الاحتجاج في الشارع الإيراني/ ياسر الزعاترة

لم يخرج خطاب المحافظين في إيران حيال الاحتجاجات التي عمّت كثيرا من المدن الإيرانية، عن تلك اللغة الخشبية التقليدية التي سبق أن استخدموها في مواجهة احتجاجات 2009، والتي وقعت في ذات التاريخ بعد الانتخابات التي فاز فيها “نجاد”، والتي وُضع بعدها قادة التيار الإصلاحي في السجون والإقامة الجبرية.
فرئيس هيئة الأركان يقول إن “القوات المسلحة الإيرانية لن تسمح بأن يتحقق حلم دول الاستكبار المشؤوم والشرير، لإضعاف نظام الثورة في إيران والإطاحة به”، مذكرا بـ”فتنة 2009 المدعومة من أقطاب نظام الهيمنة والصهيونية وخيانة وحماقة قادة الفتنة”.
كذلك فعل الحرس الثوري الذي دعا في بيانه إلى “تعزيز الوحدة واليقظة والوعي الوطني، لإحباط مؤامرات الأعداء، واستلهام العبر والدروس من فتنة عام 2009”. وتحدث البيان عن “استراتيجيات خفية وعلنية للثالوث الخبيث، أمريكا والكيان الصهيوني وبريطانيا”، مضيفا إليها هذه المرة “الأنظمة الرجعية في المنطقة”!!
والحال أن مياها كثيرة جرت في الداخل الإيراني منذ ذلك الحين، إذ أحكم التيار المحافظ سيطرته المطلقة على السلطة، واضطر الإصلاحيون لاحقا إلى القبول بـ”نصف إصلاحي”، هو (روحاني) مرشحا لهم على أمل أن يحقق اختراقا ما في الساحة السياسية، وكان أن مُنح ولايتين، بأغلبية كبيرة رغم مساعي المحافظين المحمومة لمنع ذلك.
في 2009، كان شعار الإصلاحيين في الشارع “لا غزة ولا لبنان.. كلنا فداء إيران”، وذلك في معرض الحديث عن استنزاف ثروات الشعب الإيراني في الخارج، وتجاهل الداخل. أما الآن، فيبدو المشهد أكثر إثارة بكثير، فلا غزة (التي حصلت على القليل جدا، وغاب دعمها لسنوات قبل أن يعود القليل منه مؤخرا)، ولا لبنان (رغم تولي مصاريف حزب الله من الباب إلى المحراب، وهي كبيرة بالتأكيد)، تُعدا شيئا مذكورا قياسا بما بدده المحافظون في سوريا التي دفعوا فيها كلفة الحرب كاملة، وهي تتجاوز عشرات المليارات، فضلا عما ينطوي عليه ذلك من معضلة أخلاقية تمثلت في الوقوف بجانب طاغية ضد شعبه الذي يطلب الحرية والكرامة، ولذلك لم يكن غريبا أن تحضر سوريا أكثر من غيرها في شعارات الاحتجاج بجانب المطالب الخاصة بالشارع من فقر وبطالة.
وفيما عوّل الشارع على صفقة “النووي” للخروج من مأزق العقوبات، وتحسين أحواله الاقتصادية، جاءت التطورات التالية لتثير اليأس بعد مسلسل الابتزاز الأمريكي الجديد، فيما لم تسفر العوائد التي تم الحصول عليها عن أي تحسين، إذ أخذها المحافظون كي يستكملوا مغامراتهم الخارجية، بدل وضعها في الداخل، وهم لم يكونوا ليملكوا غير ذلك في ظل تراجع عوائد النفط، وفي ظل صعوبة التراجع عن المغامرة السورية التي أضيف إليها اليمن، ومصاريف تمويل الحوثيين من أجل استنزاف السعودية.
من الصعب القول إن الاحتجاج سيفضي إلى زعزعة النظام الإيراني، وبالطبع نظرا لضعف التيار الإصلاحي، والسطوة الأمنية الكبيرة للمحافظين، لكن رسائل الاحتجاج تبدو واضحة لمن أراد أن يقرأ، ومن الصعب على خامنئي تجاهلها، وإذا فعل فسيعني ذلك مزيدا من الاحتقان في الشارع، سواءً تطور ذلك الاحتقان نحو تصاعد الاحتجاجات الراهنة، أم إلى انفجار قريب، أم انفجار آخر في المدى المتوسط. كما أن روحاني لن يكون بوسعه أيضا تجاهل الرسائل المتمثلة في يأس الشارع من قدرته على انتزاع شيء معقول من بين أسنان المحافظين لصالح الداخل الذي عوّل عليه، وها هو يهجوه بجانب خامنئي.
قلنا وسنظل نقول إن المحافظين سيدركون، إن لم يكونوا قد أدركوا بعد أن مغامرتهم في سوريا هي أسوأ قرار اتخذوه منذ الثورة، فقد وضعتهم في مواجهة طويلة ومكلفة مع الغالبية في المنطقة، من دون أن تحقق لهم شيئا غير النزيف الرهيب، وما لم يبلغوا لحظة الرشد ويأتوا إلى تسوية متوازنة مع الجار التركي والعربي، فسيتواصل نزيفهم، ومعهم كل المنطقة إلى ما شاء الله، وسيضطرون لقبولها في نهاية المطاف.