كنانة نيوز –
الحشوة الانتخابية: فن إتقان التزكية من أجل مقعد قد لا يُشغل”
بقلم: وليد علي الجراح
في غمار الانتخابات النيابية الأردنية، حيث يتنافس المرشحون بكل ما أوتوا من عزيمة وإصرار على حجز مقاعدهم تحت قبة البرلمان، يبدو أن هناك لعبة أخرى تدور في الخلفية، لعبة قد تكون أقل شهرة ولكنها ليست بأقل أهمية، إنها “لعبة الحشوة”. فحينما يجبر القانون المرشحين لتشكيل كتل انتخابية تضم سبعة أعضاء بالإضافة إلى امرأة كوتا، تظهر لنا “فن الحشوة”، والتي تتمثل في جمع مرشحين إضافيين فقط لتغطية العدد المطلوب، بغض النظر عن كفاءتهم أو مدى حماستهم السياسية.
هل تساءلت يوماً عن هوية هؤلاء “المحشوين”؟ إنهم أشبه بالـ “كومبارس” في مسرحية انتخابية، حيث تتألق الشخصيات الرئيسية في الأدوار الأولى، بينما يظل هؤلاء في الظل، بانتظار دور ربما لن يأتي أبداً. فالقائمة الانتخابية، تماماً مثل السندويش، تحتاج إلى حشوة. ولكن هنا، الحشوة ليست للحشو فقط، بل لإكمال المظهر الديمقراطي. وقد يصل به الأمر ليكون سمسار لجذب أكبر عدد ممكن من الأصوات مقابل مبلغ من المال الاسود
وهنا تبدأ المفارقات الساخرة: قد تجد أن البعض من “المحشوين” لم يكن ليحلم أصلاً بأن يكون على قائمة انتخابية. لانه فقط من عشيرة كبيرة ، لكن فجأة يجد نفسه على قائمة واحدة مع محامين وأطباء وأساتذة جامعات، ليس لأنه يمتلك رؤى سياسية، بل لأنه ببساطة كان متواجداً في اللحظة المناسبة والمزهرية تحتاج إلى عود اضافي لتكتمل عندما قرر رئيس الكتلة أن القائمة تحتاج إلى “حشوة”.
ولا تتوقف الكوميديا هنا، بل تستمر مع الحملة الانتخابية. فبينما ينهمك المرشحون الرئيسيون في تقديم خططهم الطموحة، قد تجد “المحشوين” واقفين في الخلفية يبتسمون بتوتر، يلوحون للجمهور دون أن يعرفوا بالضبط لماذا هم هناك. وربما تجدهم يقفون جانباً، في انتظار تلك اللحظة التي يُطلب منهم فيها أن يقدموا كلمة للجمهور. وفي اللحظة التي يُعطى لهم الميكروفون، يتضح أن كل ما لديهم ليقولوه هو: “شكراً لدعمكم، ونحن معكم من أجل التغيير”. وما إن يسلم الميكروفون حتى يذهب ليبحث عن مكان مختبئ يشرب فيه كأساً من الماء ليرطب به حلقه الجاف من توتر اللحظة وكما أنهم لا يستطيعون الذهاب للناس لتقديم أنفسهم كمرحشين .
وعند انتهاء الانتخابات، يجد “المحشوين” أنفسهم وقد عادوا إلى حياتهم الطبيعية. بعضهم قد يفتخر أمام أهله وجيرانه أنه كان على قائمة انتخابية، والبعض الآخر قد يتجنب الحديث عن التجربة برمتها. ويبقى السؤال الأهم: هل كانوا يدركون أن مهمتهم الأساسية كانت مجرد “حشوة”؟
وهنا اتذكر الشيفرة الأردنية في المطاعم والتي يفهمها الأردنيين جميعا- الممزوع بشطه –
الاردني قادر على تميز الحشوة من غيره
ربما في المستقبل، يمكننا أن نتخيل قوائم انتخابية بدون “حشوة”، حيث يتكون الفريق من مرشحين حقيقيين، يجمعهم الهدف الواحد والرؤية المشتركة. ولكن إلى ذلك الحين، ستظل الحشوة الانتخابية جزءاً لا يتجزأ من المشهد الانتخابي الأردني، وربما أيضاً جزءاً من فلكلورنا السياسي، نتذكرها بابتسامة ساخرة كلما مر موسم الانتخابات.