كنانة نيوز – شؤون ثقافية –
محمد فايز حجازي يكتب:
(شرك أدب الأحلام العظيم)
—————————————–
لا أكون مبالغًا لو قلت أن الولوج إلى متاهة كتابة أدب الأحلام شرك عظيم، شرك قد يقع فيه الكاتب، فيهوي به إلى مهاوي السطحية والعبثية وطلاسم الكلم، غير أن الخلاص من هذا الشرك والوصول لمكنونات نفس المتلقي بصدق وحرفية يرفع من شأن الكاتب أضعافًا كثيرة، وهذا لأسباب عدة أسوقها لحضراتكم تباعًا:
أولًا: إن كان الأدب في مجمله وعلى اختلاف قوالبه يخاطب النفس البشرية قلبًا وعقلاً، مشاعر وأفكار، فإن أدب الأحلام بتعقيداته وتأويلاته وكما أنه نابعًا في الأساس من اللاشعور وبواطن العقل المعقدة التي لا يعلمها إلاّ الله، فإنه كذلك يخاطب بشكل أعمق ذات اللاشعور وبواطن النفس لدى المتلقي، في عملية معقدة للغاية تحتاج إلى صدق جارف وحرفية قصوى، وهذا لا يمنع من تدخل العقل في نهاية العملية أي في مرحلة الإفاقة، للتأويل والتأمل والتحليل والوقوف على مدى صدق التجربة.
ثانيًا: في منظوري أن كاتب أدب الأحلام ينبغي له بشكل أو بآخر أن يكون مطلعًا على التأويلات التى ساقها أساطين تأويل الرؤى كابن سيرين والنابلسي وميلنر، لم أقول هذا؟ لأن كثيرًا مما نرى في مناماتنا إنما هى أضغاث أحلام لا معنى لها، ولو نقلت إلى التجربة الأدبية الفنية لسقطت التجربة وأضحت محض هراء لا يصح، وإطلاع الكاتب على تأويل رؤياه ينأى به عن هذا تمامًا، إذ حينها ينتقي بحرفية ما ينقل ولا يخلط بين الغث والثمين، ذلك الخلط الذي قد يقع فيه الكاتب مهما كانت قيمته، وقد قرأت تجارب لكتاب كثر، وعرضتها على التأويل فوجدتها طلاسم لا صدق فيها ولا شعور وإنما هي ملأ لفراغ الأوراق فحسب.
ثالثًا: على الكاتب أن يكون على أعلى درجة من درجات الأمانة الأدبية والخلقية، فخطورة الأمر تأتى من أنه يتعلق بالعالم الآخر، العالم غير المرئي وغير المعروف، فلا يصح التهويل أو الإختلاق الذي قد يؤثر بالسلب على المتلقي الذي حتمًا سيتأثر بالتجربة، حتى أن العامة قد اعتادوا قولة، أنه من الحرام الكذب أو التدليس فى الأحلام.
رابعًا: لأن التجربة تتصل بعالم الروحانيات الشفيفة، فلا مناص أن يتوافر لدي الكاتب من السمات والمقومات الخلقية والإنسانية ما يجعله أهلًا لتلك التجربة، فلا أراني –مثلًا- مصدقًا أو متفاعلًا مع من عرف عنهم رداءة الخلق وسوء المعشر، فلا تتأتى الرؤى الشفيفة إلّا للصفوة، ورؤيا العبد الصالح الصادقة هى ما تبقى من ميراث النبوة، وقد يسأل أحدهم، كيف والتاريخ حافل برؤى العصاة والكفار والتى أولت وتحققت؟ ولكنى هنا أتحدث عن رؤى لابد لها أن تكون مؤثرة بالإيجاب –أدبيًا- على الوجدان والشعور مما تخلو من هلاك الناس وتقلبات حيواتهم، وهذا لا يتوفر عند أولئك.
خامسا: أدب الأحلام يحتاج إلى متلق خاص له قدر من الشفافية غير يسير، وإن لم يكن كذلك، فيتعين على الكاتب ببراعته وحنكته وصدقه، أن يؤهل متلقيه تأهيًلا نفسيًا حتى يتقبل ما يبدعه الكاتب من هذا المنطلق الروحاني.
أخيراً: أدب الأحلام وعلى رغم أنه يعبر عن مواقف قد تبدو غير مترابطة ومشوشة، إلّا أنه لابد أن يكون الأكثر صدقًا، إذ أنه نابع من دواخل النفس التى حتمًا لا تجمل فيها ولا تزين، وإنما تأتى تلقائية، معبرة وصادقة، وعليه فأن أي محاولة غير محسوبة من الكاتب فى إعمال العقل الواعى بحذف أو إضافة فإنها تنتقص من صدق التجربة بشدة.