100
كنانة نيوز –
شؤون ثقافية –
![فتح الصورة](https://scontent.xx.fbcdn.net/v/t1.15752-9/440872945_1601552090626273_7252710303296454254_n.jpg?stp=dst-jpg_p320x320&_nc_cat=102&ccb=1-7&_nc_sid=5f2048&_nc_ohc=jCGN_2cQw9YQ7kNvgGtZLEj&_nc_ad=z-m&_nc_cid=0&_nc_ht=scontent.xx&oh=03_Q7cD1QESiNTNhkVE1NhZHP-ukGnhUEdzmVuE6ytGXcUKvIMlmA&oe=66688A7F)
الأديبة الأستاذة «نُهى الرُميِّسي»
محمد فايز حجازي يكتب: (مَبْروكة)…
فن القصة في أبهى صوره.. قراءة في المجموعة القصصية (مَبْروكة) للشاعرة والأديبة الأستاذة «نُهى الرُميِّسي» في مجموعتها القصصية (مَبْروكة) استطاعت الأديبة المبدعة «نهى الرميسي» الخلاص –بذكاء أدبي كبير- من الشركين الشهيرين اللذين يقع في أحدهما كثيرٌ من كتّاب القصة الحاليين، شرك الرمزية المُفرطة التي لا فن فيها ولا معنى مَنشود، وشرك السطحية الساذجة التي لا رسالة فيها ولا مُتعة أدبية، فجمعت -باقتدار- بين الرمزية الفنية ذات المدلول القيّم وهي -الرمزية- التي يقوم عليها بالأساس فن القصة، وبين عمق الفكرة وبراعة السرد، ولقد كانت الكاتبة -بكل تأكيد- على دراية تامة بخطورة هذين الشركين، إذ يتضح هذا بجلاء في كل قصص المجموعة -بلا استثناء واحد- كما سنتناول بالتفصيل. ولنبدأ بالعتبة التي نخطو بعدها إلى قصص المجموعة، العنوان (مَبْروكة) وهو وإن بدا كاشفًا -كاسم عَلمٍ لامرأة- إلّا أنني لم أستطع -قبل قراءة القصة التي تحمل اسم المجموعة- الوقوف على مدلوله، ولعلني تساءلت مَنْ تقصد الكاتبة؟ أتقصد بلدنا المَبْروكة (وللكلمة نفس وزن كلمة (المَحْروسة))؟ أم أنها تقصد سيدة لها من النقاء والخصال الفطرية ما يجعلها على صلة بالله فيتبرك بها مَنْ حولها؟ أم أنها تقصد أمها، وكل أمهاتنا مَبْروكات في أعيننا؟ أم غير ذلك؟ ومن هنا جاء العنوان لافتًا ومُلغزًا بلا مُبالغة أو طلسمية، وهي -بشكل أو بآخر- ذات الفكرة التي تحدثت عنها آنفًا، وما يُعضد قولي -في البداية- تصميم غلاف المجموعة الذي جاء لسيدة تبدو فلاحة أو صعيدية تجلس على ضفة النيل ناظرةً بتأمُل إلى ماءه في حين تتهادى المراكب على صفحاته، وتحت قدمي السيدة (المَبْروكة) تستقر الأواني الفخارية المميزة لتلك البيئة، غلاف جميل وبسيط وعميق -أحسنت الكاتبة مع دار «يسطرون» الناشرة للمجموعة انتقاءه- يشي بكل الإحتمالات التي ذهب إليها خيالي عند قراءة اسم المجموعة. (مَبْروكة) مجموعة قصصية تقع في مآئة وثلاثين صفحة من القطع المتوسط، تضم بين دفتيها عشرين قصة، بدأتها الكاتبة -في وفاء- بإهداء رقيق لمَنْ كانا سببًا في حصادها الفكري والأدبي، والديها، ثم أولادها بشريات الخير في دنيا الأمل، وأولاد أختها، وزوجها الإعلامي الكبير الأستاذ «عادل الخربوطلي» داعمها وسندها الأول. توقفتُ عند مُقدمة المجموعة التي ذكرتْ فيها المبدعة أنها كتبت جل قصصها في مُقتبل العمر وأنها انتظرتْ حتى يستوي عودها الفني، إذن نحن أمام أديبة تعي خطورة الكلمة وأهمية الرسالة وأن القيمة الأدبية الحقيقية ليست بملأ فراغ الصفحات بما لا يرتقي بوجدان ووعي المُتلقي، كيف لا وهي شاعرة مُتحققة وإعلامية مرموقة!! وعلى عكس ما قد تتوهمه كمُتصفح للمجموعة -التي كُتبت بعض قصصها في التسعينات- من تباين في أسلوب السرد وجزالة اللغة، بين ما كتب قديمًا وما أبدعته الأستاذة نُهى حديثًا -وقد ذكرتْ تاريخ كتابة كل قصة- إلّا أنه -عند القراءة- لن يكون في مقدروك التفرقة بين القديم والجديد -لغةً واسلوبًا-، إذ أننا في رحاب أعمال نَهلتْ صاحبتها صدق الفكر وروعة اللغة منذ نعومة أظفارها، حتى أنها قد اجتهدت -قبل صدور المجموعة- في حذف أو إضافة أو تنقيح ، فلم تستطع. وبالولوج إلى عالم المبدعة «نهى الرميسي» نستخلص من كتاباتها السمات والملامح الرئيسة التالية: أولًا: ملائمة بنية اللغة وإيقاعها مع جو القصة وفكرتها وللتدليل على ذلك نستعرض النموذجين الآتيين، في قصة (فقاعة اللبان) التي تتناول فيها الكاتبة -بلغة وثّابة- حياة أحد الأطفال من بائعي إبر الحياكة واللبان والمستيكة مُتنقًلا من هذه الحافلة إلى تلك، غير أبه بتصاريف الحياة، التي يعيشها -بكل قسوتها وصعوبتها- مُستمتعًا ومُحلقًا كالفراشة هنا وهناك، واضعًا إبر الحياكة واللبانات على أقدام الجالسين في الحافلات، ثم يعود ليلملمها ثانيةً؛ لينتقل إلى حافلة أخرى في محاولة أخرى للحصول على ما يقيم به أوده، وحسبه لقيمات الفول التي يأكلها لتستمر دوامة حياته على هذه الوتيرة، وهو على حالته تلك منتشيًا سعيدًا حتى تأتي نهاية القصة البديعة للغاية والصادمة للغاية -ولا رغبة لديّ في المبالغة- حين يفترش رصيف الشارع محملقًا في النجوم ليلًا لينفخ في لبانته التي تُحدث فقاعة تتصدع معها جدران قلوب الجالسين في غرفهم العتيقة، فيختبئون كالجرذان تحت مكاتبهم العتيقة، طفل صغير يقاسي ويلات الحياة في شجاعة وبساطة نادرة، تنفجر فقاعة لبانته فيرتعب الكبار من ذوي الراحات الذين يُفترض فيهم خبرة الحياة واعتياد شقائها، قصة بديعة بحق، بها من الرمزية العميقة -كما أوضحت سالفًا- ومن الدلالات المؤثرة الكثير، جاءت اللغة فيها رشيقة برشاقة الطفل ووثابة بانطلاقته، فتقول مثلًا (الولد صغير يلف ويدور، يمشي المشوار بعد المشوار) (يسير بخطى لاهية، يتخبط في الناس من حوله، يقرع الجوع أحشائه) (يفترش رصيف الشارع، يرقد على ظهره، ويحملق في النجوم اللامعة) وهكذا تأتي اللغة حيوية في جُمل مُركزة وسريعة ورشيقة لتتلائم مع حياة الطفل النشط خفيف الحركة، بل إن القصة كلها مُركزة، لا تتعدى الصفحتين كدفقة شعورية مُكثفة ومُؤثرة للغاية. وذات السمة نجدها في قصة (الشهر التاسع)، والشخصية المحورية هذه المرة لطفلة، تلك الطفلة التي تجري في الحارة حاملةً لأمها -التي هي على وشك الولادة- أعواد البخور، حين ترى زوج جارتهم ذا البطن المُنتفخة جدًا، حتى لقد ظنت -في براءة- أنه ربما يلد أربعة أطفال في حين ستلد أمها طفلًا واحدًا فقط، قررت الطفلة أن تسميه «محمدًا»، وهنا نرى جانبي الحياة، النقاء والسواء في الطفلة -الحاملة لأعواد البخور- وأمها -الحاملة في الطفل «محمد»، ونرى القبح والشذوذ في هذا الرجل وزوجه التي كانت دائمًا ما تعاير أم الطفلة بفقرها وقلة حيلتها، حتى يأتي الطبيب لأمها ويأتي معه صوت بكاء الطفل «محمد»، في ذات اللحظة التي تتخيل فيها الطفلة أن زوج جارتهم سيلد أربعة، لتتفاجيء برجال الشرطة وهم يمسكون بتلابيب الرجل السمين ويجرونه في عنف، ثم تأتي نهاية القصة الصادمة، حين تشب الطفلة عن دخول
الطوق فيتقدم شخص لخطبتها، له نفس سمت وهيئة الرجل السمين، فتسأله في ذهول ألم تقبض عليك الشرطة؟! لتكون إجابته، أنا لست من تقصدين بل أنا أحد توائمه الأربعة! ربما في إشارة إلى استفحال القبح وتكاثره واستشراءه بمرور السنين، نجد في تلك القصة نفس اللغة -التي تحدثت عنها آنفًا- التي تناسب الحدث وتلائم الشخصية. ثانيًا: أيضًا من سمات الكتابة عند المبدعة «نهى الرميسي»، خصوبة النص وتعدد تأويلاته وتلك المزية -في منظوري الشخصي- تعد من أهم مقومات الارتقاء بالنص الأدبي، فهي -المزية- وإن بدت لوهلة مُحيرة لبعض مُتلقي العمل الفني، إلّا أنها تفسح المجال لإعمال الخيال والتأمل والمشاركة بالتأويل والتفسير، وتلك غاية الإبداع الصادق، وقد حققتها الكاتبة باقتدار وبراعة كبيرين، وفضلًا عن النصين السالفين (فقاعة اللبان) و(الشهر التاسع) اللذين يحملان بين سطورهما تأويلات عدة، نرى أن جل قصص المجموعة تتحقق فيها ذات الخصيصة، في قصة (قفزة الثقة) -كمثال آخر- نجد المخرج السينمائي الدنيء الذي يتسلم من المهندس، مكتبه الجديد ذا الجدران الزجاجية، كان المخرج -في البداية- قلقًا من تصميم المكتب الذي بدا من مُرعبًا مكشوفًا إلى الفضاء الخارجي في الطابق الثلاثين، غير أن المهندس أقنعه بصلابة الجدران الزجاجية وقوة تحملها الفائقة، عندما تراجع إلى الوراء ثم قفز بقدميه ضاربًا الجدران الزجاجية في حركة بهلوانية، اقتنع المخرج حتى أنه تعلم تلك الحركة البهلوانية؛ ليأتي بها أمام الفنانات اللاتي يأتين لمقابلته -مُنفردات- مُساومًا إياهن ومُبرهنًا على متانة علاقته بهن وصدق أغراضه منهن، فلم تسلم واحدة منهن من افتراسه، حتى جاءت هذا المخرج قميء الخلق وقذر الأهداف ابنة البواب، فتاة فقيرة، حديثة التخرج في كلية التجارة؛ لتعمل في بوفيه المكتب، فأراد -أمام جمالها-أن يفعل معها ما يفعله مع الأخريات، فقرر أن ينصب لها الشرك ذاته، ويقوم بالمشهد التمثيلي نفسه، عاد أمتارًا للخلف ثم جرى بسرعة صوب الزجاج، فأبى الزجاج هذه المرة أن يكون موضع ثقته المُزيفة، فاهتز وأفلت من إطاره المعدني وطار في الهواء ليطير معه المخرج الذي كان مندفعًا بشدة. القصة كما أنها تنتصر لقيم الفطرة وللطائفة الفقيرة المهمشة من الذين لا حيلة لهم، وكما أنها تفضح مساومات ذوي السلطة الفنية من معدومي الخلق، فإنها أيضًا تحمل في طياتها معانٍ أشمل ورمزية أعمق. ثالثًا: من مناقب كتابات الشاعرة والأديبة »نهى الرميسي« أيضًا، شاعرية اللغة ورقتها وطلاوة اللفظ ودقته (وأنا شخصيًا أرى أن أدبًا بلا لغة قوية ومُعبرة -بلا تقعير أو تعقيد- لا خير فيه، فهي -اللغة- وعاء للفكر ورقة للقلب وترقية للاحساس، لا سيما ونحن نجد -في الآونة الأخيرة- الكثيرين ممَنْ يضربون بالقواعد البسيطة والجماليات الشفيفة عرض الحائط، فإذا ما استعرضنا بعض الأمثلة السريعة من مجموعتنا القصصية (مَبْروكة) للتدليل على ذلك، نجد الأستاذة تقول في قصة (غصن الزيتون) ” داعبني بعض الأمل حين وجدته يتمتم ببضع كلمات، آه كم اشتقت لسماع صوته الذي اعتدت عليه حتى، لو كان مكبلًا بالأحزان” وفي قصة (آخر الزفرات) تقول “أرسب في دائرة متموجة، أقلب صفحات الذكرى، تصعد بي، فيشد السرو الناتيء من الماضي أذني، يأتيني صوت الصمت الهابط، يتنزل في رأسي كعمود دخان” وتقول في نفس القصة “غازلت القمر النوراني؛ فتوارى بين السحب كعذراء خجلى”. وهكذا نرى بجلاء أن الكاتبة تمزج بين سمات السرد القصصي والشعر الحالم. رابعا: الغوص في قضايا الوطن واستشراف المآلات، ولا خير في مُبدع لا يلتفت إلى هموم مُجتمعه، فنجد الكاتبة وقد تصدت لبعض قضايا الوطن بعمق ورمزية شفيفة، لا سيما أنها كتبت كثير من تلك القصص قبل يناير من العام 2011، كما في قصة (فانتازيا الهرم المقلوب) و(الجوع). خامسا: النزعة الفنية والتناص الديني جنبًا إلى جنب، الأديبة تنتصر في قصص مجموعتها لقيم الخير والجمال والخلق والدين، وتتفاعل بشكل كبير مع هموم مُجتمعها وتنفعل لأوجاعه، وهي إذ تفعل ذلك تفعله بجمال الفن الراقي وقيمه، حتى أنها ذكرت أسماء لأعمال سينيمائية وأغاني رومانسية، كما في قصتها البديعة (ديك الجن) التي مزجت فيها مقاطع بالعامية المصرية لأغنيات شهيرة، بأشعار من فصحى رقيقة ومؤثرة للغاية. سادسا: نقاء الصورة البصرية وجودتها، في قصص مجموعتها أجادت الأستاذة »نهى الرميسي« أيما إجادة في إخراج صورة بصرية نقية وصافية أمام أعين المُتلقى القاريء للنص، كمخرج سينمائي بارع في انتقاء زوايا وكادرات مشاهده. إن الكتابة عن المجموعة القصصية (مَبْروكة) ذات العشرين قصة، ربما يحتاج مني إلى كتاب، غير أنني آثرت الوقوف على سماتها الرئيسة -كما رأيتها- مُفسحًا المجال للمُتلقى كيما يتأمل ويحلل بحسب ذائقته، أخيرًا، تحيةٌ صادقةٌ وتقديرٌ كبيرٌ للشاعرة والأديبة الأستاذة «نهى الرميسي».
![لا يتوفر وصف.](https://scontent.famm11-1.fna.fbcdn.net/v/t1.15752-9/440571137_469452095586837_5775453185084141184_n.jpg?_nc_cat=111&ccb=1-7&_nc_sid=5f2048&_nc_ohc=ZLbR1FHruSEQ7kNvgGfeaEX&_nc_ht=scontent.famm11-1.fna&oh=03_Q7cD1QGbMcHD9z8hICx9_xbQejd32hfe47W5wR4elpOa3JI3og&oe=6668A705)