الأردن: فلاحون.. وعمال.. وساسة يحملون الألقاب.. ماذا لو سحبت امتيازاتهم؟/ عدنان نصار

كنانة نيوز –

كتب الزميل عدنان نصار

الأردن: فلاحون.. وعمال.. وساسة يحملون الألقاب.. ماذا لو سحبت امتيازاتهم؟

الفلاحون في بلدي ، أكثر إلتصاقا بالأرض ، وأعمقهم في العلاقة في كيمياء مشتركة تجمع بين الفلاح والأرض.. والعمال في بلدي اكثر ألقا من كل مظاهر الحداثة والقرميد والشيد الذي خطف الأبصار ، وغيب المتعبين الذين صنعوا كل هذا الرقي والارتقاء..والنساج في بلدي أعمق ذوقا حين يصنع للمترفين بذلاتهم السموكنغ، التي تتفوق على المصمم “ايف سان لوران”.. والجندي في بلادنا أوسع صبرا حين يرابط على الحد ..والمعلم في بلادنا  يحمل نبل المعنى ، فهو الذي “نقم من أجله كي نوفه التبجيلا..” .

الصابرون في بلادنا، (وما أكثرهم)  اكثر معرفة من النخب الناحبة ، حين يتعلق الأمر بمسار وطني ..وأكثر فهما لمعادلة الانتماء ، وأوسع ادراكا لخفايا الأمور، التي ما عاد فيها أي شيء مخبوء ..فكل شيء في الفضاء المفتوح اصبح مفضوح،  وما عادت “السرية” او “السري للغاية ” لهما أي قيمة في سجلات الباحثين عن الحقيقة والعارفين في بواطن الأمور اكثر من ظاهرها..!

السياسيون في بلادي، أكثر الناس عرضة للنقد ، وأكثرهم يشيدون بالحنطة ولا يأكلون القمح..وينظرون على مسامع الصابرين عن محاسن الصبر وثوابه ، وهم على الأغلب أكثرهم معارضة (للنظام والوطن)ان توقفت امتيازاتهم ، وسحبت سياراتهم، وصودرت منحهم وعطاياهم وهداياهم ومنح أولادهم..!

في عهد الاستعمار والانتداب حرم الشعب العربي من أكل القمح ، واجبر الناس على أكل خبز الشعير ..ما الذي اختلف .؟!

المنتمون طوعا ، عن طيب خاطر للقيم الوطنية ، اكثر حرصا من المنتمين لمكاسبهم ومناصبهم ، واعمق دراية بتعريف قيم الانتماء بعفوية دون ورق مكتوب مسبقا ، وأكثرهم صدقا في التعبير حتى وان تعثرت السنتهم بجملة او كلمة..وهذه الغالبية العظمى من مكون الشعب الأردني ، أشد حرصا على قيم الانتماء “غير مدفوع الثمن” واعمق فهما في الحقوق والواجبات ، وهم دائما في الطليعة ، ان تعرضت البلاد لأي هزة او تهديد ..وهم أكثر جاهزية للدفاع حين يتعلق الأمر بكرامة البلاد ..فلا ارصدة سيركضون خلفها ، ولا قصور سيلجئون اليها ..ولا سيارات دفع رباعي تحملهم إلى ساحات الدفاع .

اتحدث بلغة الصابرين والعارفين ، كفرد من مكون المجتمع الأردني،  وخبير على مدى اكثر من ثلاثين سنة في العمل الصحفي ، وعارف بأسرار اجتماعات مغلقة..أقول ان الفلاحين والمعلمين والنساجين والعمال والجند، اكثر صدقا من كل الساسة الذين عرفتهم او قابلتهم او امتلكت معلومات عنهم ..لكن ، السؤال الذي طرحته ذات يوم على الزميلين الراحلين “امجد ناصر ومحمد طملية”  في جلسة عصف ذهني عام 2002 وبحضور الزميل الحي احمد الشريقي أطال الله عمره..السؤال الذي طرح بإلحاح :”كيف نعرف الانتماء ، وهل ثمة مقاييس لقياسه على طريقة (ربختر) مثلا ..” لتجتهد الإجابات وتصب في مسارات مختلفة ، فمثلا الراحل طملية قال :”الوطن وثن ..ويسخرونا

 لعبادته من أجل مصالح حلف محدد ومعروف ..، فيما ذهب الراحل ناصر إلى القول :” الانتماء قيمة نبيلة لوطن يحفظ كراماتنا ،بصرف النظر عن جغرافيته..فيما أجاب الزميل الشريقي ما قاله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :”الفقر في الوطن غربة ..والغنى في الغربة وطن..” فأي الاحتمالات في المعنى التعريفي لقيم الانتماء يصلح لحالنا راهنا ، وخصوصا وبمنتهى الصدق في ظل تمدد الفقر افقيا وعاموديا ، وتغول الجوع ، وتفشي البطالة بين الشباب المؤهل عمليا وعلميا ..وفي ظل تراجع خطير لمفهوم الأمن المجتمعي ، والتركيز على الواجبات ، وتمهيش الحقوق ..أي حالة تعريفية ممكن ان تنسحب علينا راهنا ، في ظل ساسة من كل الالقاب :”دولة ومعالي وسعادة وعطوفة..،تتحدث بلغة واحدة وتؤكد في كل حديث على :”كله تمام يا فندم” رغم معرفتهم ان الأمور ليست تمام ولا هي على ما يرام ، لكن على ما يبدو أي تصريح يعاكس ذلك فهذا يعني فقدان المكاسب والمناصب..

في سياق الحديث اذكر حين كلفتني اللجنة الثقافية لنقابة الصحفيين الأردنيين تقديم دولة طاهر المصري رئيس وزراء الاردن الاسبق ، ورئيس مجلس النواب ومجلس الاعيان قبل نحو ربع قرن ، في ندوة إقامتها النقابة في رمضان قبل الفائت ، وتشرفت بهذا التقديم لرجل قلت عنه في مقدمة الندوة بأنه “الصندوق الأسود ” للدولة الاردنية وعارف اسرارها،  واعترف الرجل أي دولة الاستاذ المصري انه فعلا يحمل في جعبته الكثير وحينها قال الكثير بما لا يروق للدولة ، فكانت النتيجة اكبر من توقعاتنا..واغلقنا الحوار فيما بقيت شهية معرفة ما في الصندوق تلاحق الجميع .

عموما ، ما نحتاجه فعليا في الاردن ، سياسين ومسؤولين يغرفون بكوب الفلاح ، وينسجون العمل ببراعة الصادقين ، ويلوحون بحرف المعلم المقتدر ، ويصنعون الصدق لتعميق قيم الانتماء ..ساسة قلوبهم على البلد وايديهم على الزند من أجل اعلاء البناء ..لا نحتاج إلى ساسة يعدلون ياقات قمصانهم وربطات عنقهم كلما قيل لهم نحتاج إلى تصريح متلفز ..ما نحتاجه ان نعزز قيم الانتماء، والإنتاج والعدل الاجتماعي ، وأن نستوعب جيدا متطلبات المرحلة ، وأن نستعيد واجهة الوطن الحقيقية وأن تعطى الأولوية للقضايا الأساسية،  واظن ان الفقر والبطالة بين الشباب ، وتدني الرواتب للعاملين والمتقاعدين ممن تقل رواتبهم على 500دينار ..كل ذلك يعتبر قنبلة مخبوءة وموقوته قابلة للإنفجار لا قدر الله .!!

كاتب وصحفي اردني