
لحظة وفاة أمه الطالب محمد نور عبيدات يفوز بمسابقة الإبداع الأدبي عن قصته ” الأم “
كنانة نيوز –
كتب موسى النعواشي
لحظة وفاة أمه الطالب محمد نور زياد عبيدات يفوز بمسابقة الإبداع الأدبي عن قصته ” الأم ” .
شاء القدر أن يصل خبر وفاة والدته بالوقت الذي كان يشارك فيه “محمد نور” بالمسابقة .. ولعل كلمات “القصة القصيرة” كانت تحاكي الواقع الذي يعيشه لنتمعن جميعاً كلمات المبدع “محمد نور” زياد ونخبره أنه قد فاز بين أسوار مدرسته بأجمل “قصة قصيرة” ونترحم على والدته وندعو لها بالرحمة والمغفرة .. رحمها الله وغفر لها وأسكنها فسيح جناته .
وهذه قصته التي فاز فيها : في أحدِ الأريافِ تعيشُ عائلةٌ صغيرةٌ، أمٌّ وزوجُها ولديهما طفلان وينتظران مولودَهمُ الثالثَ، كانتِ الأمُّ تُحبُّ عائلتَها كثيرًا وتساعدُ زوجَها في أعمالِه وتُساندُهُ على مشقّةِ الحياةِ، لقد كانت أُمًّا رائعةً تَشِعُّ حنانًا ورأفةً تعشقُ صغيريها ولكنّها مُثقلةٌ بحملها ومتعبةٌ جدًّا.
سارتِ الأيّامُ وجاءَ الموعدُ المُنتظَرُ، اليومَ ستُرزقُ طفلًا جديدًا انتظرتْهُ وهْنًا على وهْنٍ. كانتْ رحلةً حملَتْ صعوبتَها وآلامَها على كاهلِها، اشتدّتْ عليها آلامُ الولادةِ وهي تُراقبُ خروجَ روحِها إلى الحياةِ، بدتِ الدقائقُ بطيئةً والآلامُ تزدادُ، ولكنَّ الفرحَ المُنتظرَ حضرَ، مولودةً جميلةً وصغيرةً، احتضنتها الأمُّ وقبّلتْها ولا تريدُ أن تفارقَها، وكانَ الجميعُ سُعداءَ بالضّيفةِ الجديدة.
يقفُ الطبيب بينَهم وتعلو وجهَهه ملامحٌ غيرَ مُطمْئنةٍ، ووجه الأمِّ شاحبٌ ومُتعب من ألمِ الولادة. لقد كانتِ الولادةُ شديدةً عليها ولم تستطعِ تحمُّلَها، يسمع الطبيبُ ثقلًا في تنفُّسِ الأمِّ، يُسرعُ بإفراغ الغُرفةِ من عندها ويجمعُ حولَه طاقمَ الأطبّاءِ ليتأكّدَ من حالةَ الأمِّ الصحيّةِ، ولكنّها كان يسيطرُ عليها شعورٌ باهتٌ بالحياةِ أخبرتِ الطّبيبَ أنّها تُريدُ منه طلبًا أخيرًا بأنْ يُبقيَ ابنتها في حضنِها ففعلَ، وبقيت تُناظرُ طفلتَها بأعيُنٍ تملؤها الدّموعُ وقلبٍ يتقطع حُزنًا، أيقنتْ أنها كانتْ تودِّعُها. نعم لقد فارقتِ الحياةَ، آه لتلكَ الأحزانِ والآلامِ التي لقيَتْها هذهِ العائلةُ، والأبُ المِسكينُ ماذا يفعل؟ أطفالٌ صغارٌ، و(حياةُ) الرّضيعةُ أشرقتِ الآنَ في هذه الحياةِ، صحيح لقد سمّتْها أمُّها حياة، حزنَ الأبُ حزنًا كبيرًا وبكى على زوجتِهِ بكاءً شديدًا. وبعدَ فترةٍ من الزّمنِ وحيرةٍ تمكّنتْ من الأبِ في إدارةِ أمرِ أبنائه قرّرَ أن يتزوّجَ امرأةً أخرى كي تساعدَه في تربيةِ أطفالِه، جاءتْ إلى البيتِ أمٌّ جديدةٌ، والأطفالُ المساكينُ لا يعرفون ما يدورُ حولَهم، فقد سافرتْ أمُّهم إلى الجنّةِ -هكذا كانوا يردُّونَ على مَن يسألُهم عن أمِّهم- .
كانت زوجةُ الأبِ قاسيةً عليهم وتُعاملُهم مُعاملةً سيّئةً، أمّا حياةُ المِسكينةُ التي لم ترَ أمَّها سوى لحظاتٍ قصيرةٍ وقد حُرمَتْ من كلمةِ أمّي ولا تعي معناها. مرّتِ الأيّامُ والعائلةُ كَبُرتْ وزوجةُ الأبِ ما تزالُ على حالِها لا تحبُّ أولادَ زوجِها وبدلَ أن تُعينَه على رعايتِهم أعانت الظروفَ الصّعبةَ عليه.
ورُغمَ قساوةِ الظّروفِ ظلّتْ حياةُ تجابِهُ الصِّعابَ لتكونَ قويّةً لا يكسرُها شيءٌ. كبرتْ حياةُ وتزوّجتْ وأنجبت طفلًا وأصبحتْ أُمًّا هي أيضًا وشعرتْ لأوّلِ مرّةٍ بحلاوةِ هذا الشّعورِ ؛اشتعل قلبُها فرحًا لا يُساويه فرحٌ، كانت كلَّ مرَّةٍ تحتضنُ طفلَها وتُعانقُه تستمدُّ الحبَّ والحنانَ الكبيرينِ من ذلك الحضنِ الصّغيرِ ؛
وُجودُ طفلِها الصّغيرِ بين يديها أعادَ لها سعادةً عظيمةً، وفي نفسِ الوقتِ تُذكّرُها بسعادةٍ حُرمَتْ منها أمُّها، سعادةً كان ثمنُها باهظًا كلّفها حياتَها. كانت معاناةُ حياةٍ طويلةً لتبقى أمُّها في قلبِها وبالِها ليسَ ذكرياتٍ فحسب ولكنْ شوقًا وحنينًا أيضًا. الصّبرُ جميلٌ والحياةُ قاسيةٌ أحيانًا ولكن لا نعلم متى يأتي فرَجُ الله فنفرحُ بعطاياهُ الجمّةِ، هذه كانت قصةُ حياةٍ.