ربيع الأردن يكشف عن أكثر من 30 نباتًا بريًا مهدَّدًا بالانقراض

كنانة نيوز –

اكتست أرض الأردن بحُلَّة خضراء جاءت نتيجة الشّتاء الذي نزل عليها بالأشهر الماضية، بيد أنَّ السؤال الذي يظهر، من أين جاءت هذه النباتات الخضراء؟، ومن غرس بذورها في البادية والصحراء وقمم الجبال وبطون الأودية الأردنية؟، وما مدى قيمتها وفائدتها للإنسان والحيوان؟.

خلال شهري آذار ونيسان الماضيين رصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، عدَّة مناطق في الأردن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وبحثت عميقًا في ربيع الأردن ونباتاته وسألت متخصصين بجمعيات بيئية أردنية، وتبين أنَّ أكثر من 30 نبتة وعشبة برية في الأرض لها فائدة وقيمة طبية لكن يهدِّدها الانقراض ويجب التَّحرك لحمايتها.
وخلال جولة لـــ”بترا” رصدت الكثير من الأعشاب النَّابتة في المناطق الصَّحراوية والسهول والجبال الشمالية والوسطى من المملكة لكنَّها سامة للإنسان والحيوان، لكنَّها تلعب دورًا في النِّظام البيئي بشكل عام.
ونصح بيئيون مختصون بضرورة استثمار هذه الأعشاب الموسمية، إذ إنَّ إكثار وزراعة النباتات الطبية من المشاريع المفيدة وذات الجدوى الاقتصادية الكبيرة في حال تم المساهمة بتمويلها والتدريب على طرق الاستفادة منها بعد عمل دراسة جغرافية لأماكن إنتاجها بشكل أكثر كفاءة وأقل كُلفة.
ولفتوا إلى أهمية إدارة تصنيع هذه الأعشاب واستخراج زيوتها العطرية والاستفادة منها على شكل مركبات طبية، مشيرين إلى أنَّ التداوي بالأعشاب يعود للعصور الأولى من التَّاريخ وتطورت وبعضها يدخل في صناعة الأدوية الطبية.
وتتفق الجمعيات البيئية في أحاديث المسؤولين فيها لــ”بترا” على أنَّ الزَّعتر البري والفارسي والقِلاَّع هي من أكثر أنواع النباتات الطبية المهددة بالانقراض بسبب عمليات القطف الجائر من الجذور، يُضاف لها الميرمية البرية، والنعناع البري، والبابونج، والشِّيح، والقيصوم، والبعيثران، والجعدة وما ينطبق على الأردن يماثله ما يكون في سوريا ولبنان وفلسطين.
المهندسة ميرفت الشَّمايلة مساعد مدير مديرية التَّنمية الرِّيفية وتمكين المرأة ورئيسة قسم مشروع برامج الفقر والبِطالة، أشارت إلى وجود أكثر من 30 نوعا من الأعشاب الطبية والعطرية والغذائية في الأردن بعضها شائع والبعض الآخر مهدد بالانقراض.
وأكدت، أن أبرز أسباب الانقراض هي التغير المناخي، والزحف العمراني، والرعي الجائر، والحاجة لظروف بيئية خاصة، وصعوبة عمليات ما بعد الحصاد لبعضها، وقلة المعرفة والخبرة بطبيعة الإكثار.
وذكرت، أنَّ أغلب النباتات الطبية تُستخدم للحصول على الأوراق والثّمار لغايات منكهات الطبخ أو استخراج الزيوت أو للعلاجات الطبية وتستخدم طازجة ومباشرة ولكن في بعض الأحيان تحتاج زراعتها واكثرها لتطوير إمكانية بيعها بأسعار مجدية اقتصاديا وتتناسب مع حجم الجهد المقدم من قبل منتجيها وتشجيعهم على الاستمرار بها لذلك يوصى بإنتاجها وادارة تصنيعها في عمليات ما بعد الحصاد للتصنيع بمختلف الأشكال والمكونات من غير التوابل.
وأكدت، أنَّ أبرز الاستخدامات لهذه النباتات التي تنمو طبيعيًا ودون تدخل الإنسان في زراعتها تكمن في مواد التجميل ومنظفات البشرة، والعلاجات والمراهم، والمكملات الغذائية.
وقالت إنَّ استغلال هذه النباتات لخدمة الإنسان يحتاج إلى أجهزة وتدريب متقدم لاختيار النسب المضافة وتخفيف التركيز بشكل يضمن كفاءة استخدامها وبناء السمعة الجيدة لدى المستهلك للاستمرار بالطلب عليها مما يؤدي الى ديمومة المشاريع واستمراريتها.
جمعية البيئة في الشونة الشمالية، اقترحت بدورها مجموعة مشاريع من شأنها أن تسهم في تشغيل الأيدي المحلية وخاصة من النساء لأنها تحتاج إلى نفس طويل في التعامل معها والأنثى تمتلك هذه الخاصية عن الذكر إضافة لخاصية التذوق والشم .
ووضعت الجمعية أكثر من فكرة ريادية من بينها، إكليل الجبل الحصربان، حيث إن بالإمكان الإكثار من زراعته واستغلال المنتج من خلال استخراج الزيوت وكذلك تنشيفه، وماء الزهر من الممكن استغلال الزهور أثناء عملية التقطير للحصول على ماء الزهر إجراء عملية استخراج الزيوت أيضا، وجميع أنواع الحمضيات بالإمكان العمل عليها لاستخراج الزيوت منها من خلال مشاغل بسيطة.
وبين رئيس قسم محطة الخناصري لبحوث الثروة الحيوانية والمراعي لدى المركز الوطني للبحوث الزراعية الدكتور مصطفى الشديفات أنَّه يوجد العديد من النباتات والأعشاب السامة في المراعي وهذه النباتات تسبب خسائر كبيرة في المواشي ومنها ما يؤدي إلى تقليل الإنتاجية من اللحوم والحليب ونفوق المواشي.
ولفت إلى أنَّ ما تحتويه المراعي من أعداد كبيرة من النباتات والأعشاب السامة من الممكن أن تُشكل خطرا على المواشي, ومع ذلك فأن المواشي لا تستسيغها لاحتوائها على رائحة منفرة وطعمها غير المرغوب به ما لم يتوفر مصدر علفي آخر.
ونوه إلى تفاقم خطر النباتات السامة في المراعي في مواسم الجفاف وفي فصل الخريف لانخفاض المادة العلفية المستساغة مما يجبر المواشي على تناول النباتات والأعشاب الغريبة وغير المستساغة التي تكون في معظمها من النباتات السامة.
وأكد على وجود المئات من النباتات والأعشاب السامة وتعتمد شدة سُميتها على الكميات المتناولة منها ونوع الحيوان وجزء النبات وحالة النبات الذي يؤكل، ومستوى رطوبة الأرض، والصحة العامة للحيوان قبل تناول المادة والعمر وحجم الحيوان ونسبة احتوائها على المواد السامة مثل حمض الهايدروسيانيك والنيترات لذلك يمكن لبعض الماشية أن تأكل بعض النباتات السامة وفي ظل العديد من الظروف المذكورة لا تظهر عليها أعراض الإصابة أو التسمم وقد يحدث الموت في أوقات أخرى.
وأشار إلى أهم الإجراءات التي من الممكن أتباعها لتقليل تناول المواشي للنباتات والأعشاب السامة، وهي، تقييم المرعى قبل دخول المواشي للرعي ومعرفة أنواع النباتات والأعشاب الموجودة ونسب احتوائها على المواد السامةـ وعند وجود عدد كبير من النباتات والأعشاب السامة يفضل حراثة المرعى قبل موسم الأزهار وزراعة محاصيل حقلية مثل الشعير لمنافسة النباتات والأعشاب السامة.
وأضاف أنَّه وعند توفر مرعى جديد يجب أدخال المواشي الكبيرة والتي لها الخبرة في تمييز النباتات والأعشاب السامة، ويجب أعطاء المواشي وجبة من الأعلاف قبل أدخالها ألى المرعى لتقليل شهيتها وأقبالها على النباتات والأعشاب السامة، وإعطائها مواد علفية غنية بالسكريات مثل المولاس, للحد من تكوين حامض الهايدروسيانيك والنيتريت في كرش الحيوان، وتوفير الماء بشكل كافي قبل أدخال الحيوانات على المراعي الجافة, لتجنب تناولها للنباتات والأعشاب الخضراء التي تكون في معظمها سامة في المراعي الجافة.
وبين، أنَّ من الأعراض الظاهرية لتسمم المواشي بسبب هذه النباتات منها قلة الشهية، والابتعاد والانزواء عن القطيع، والوهن وقلة الحركة، وشرب كميات كبيرة من الماء، وصعوبة في التنفس.
وبين أنَّ من أكثر النباتات والأعشاب السامة في الأردن هي الجعدة، والحنظل، والأقحوان الأصفر، والاكاسيا، والخروع، والفطر السام، والنرجس الأصفر والأبيض، والحرمل، والدفلى، واللوف، ولسان الثور، ورجل العصفور، واللبلاب، وعنب الحية.
وقال إنَّ تأثير النباتات والأعشاب السامة على المواشي يكون حسب المادة السامة في النبات فمنها يؤدي إلى النفوق المباشر إذا لم يتم تدخل العلاج البيطري ومنها ما يؤدي النفوق فيما بعد.
وأرجع خبير الأعشاب والتغذية العلاجية محمود عبد الرحمن الحميدات، التداوي بالأعشاب إلى العصور الأولى من التاريخ، فبعض المخطوطات من أوراق البردى وقبور الفراعنة، دلت على أن الكهنة في ذلك الوقت، كان لديهم معلومات كثيرة عن أسرار الأعشاب والتداوي بها.
وأضاف أن البعض من هذه الأعشاب الشافية وجد بين ما احتوته قبور الفراعنة من تحف وآثار، كذلك هناك ما يثبت أن قدماء الهنود كانوا قد مارسوا، كقدماء المصريين هذه المهنة أيضاً، وحذقوا بها.
ولفت إلى قدماء و حكماء اليونان وضعوا المؤلفات عن التداوي بالأعشاب في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، وأشهرهم في هذا المضمار (أبوقراط) و(ثيوفراستوس) و(ديسقوريدس) و(بلينوس).
ونوه إلى أنَّ مؤلفات هؤلاء عن التداوي بالأعشاب بقيت المصدر الأساسي لهذا العلم، حتى جاء العرب المسلمون، وتوسعوا في هذا العلم بتجارب جديدة بوجود دولة إسلامية متقدمة علمياً و مادياً تحثهم و تدعمهم على الاكتشاف و الاختراع ، وفي مقدمتهم (الرازي) و (إبن سينا).وابن البيطار وابن قرة وغيرهم.
وأكد أنَّه وفي القرن الثاني عشر للميلاد احتكر الرهبان في أوروبا مهنة التداوي بالأعشاب وزراعتها على أنفسهم ، وأشتهر العديد من الرهبان في الطب و التداوي بالأعشاب وأشهرهم الراهبة (هيلديكارد)، ومؤلفها الذي سمته (الفيزيكا) وهو كتاب مشهور جداً بالطب والأعشاب في ذلك الوقت. وبين أنَّ كثيرين يعلمون عن الراهب مندل وهو من أول مؤسسي علم الوراثة في العالم و الذي اكتشفه أثناء زراعته لبعض أنواع الزهور و الورود الطبية في حديقة الكنيسة التي كان يعيش فيها .
وأكد، أنَّ علم الطب العربي أو ما يعرف بطب الأعشاب انتشر في أوروبا وزود المسلمون أوروبا بالكثير من المعلومات الطبية.
–(بترا)