عدنان نصار يكتب: فراولة ،زعتر بلدي ودوالي

كنانة نيوز –
كتب الزميل الصحفي عدنان نصار 
فراولة ،زعتر بلدي ودوالي
الأمور تبدو جيدة إلى حد ما ، ووسط البلد يعج بوجوه الناس ، ومحال الخضار تمسك النهار من بدايته، فيما يذهب أصحاب البسطات لحجز امكنتهم المعتادة وتزويق بضاعتهم حتى تبدو جاذبة للشراء ..كل شيء هنا في أسواق المدينة العتيقة قابل لطرح الأسئلة الباحثة عن إجابات ؛لا شيء يعكر صفو الناس الا إقتصاد رديء وفقر مستتر ، وآخر معلن لا يقوى الناس في غالبيتهم على اخفاء أوجاعه.
 
في الأسواق العتيقة في المدينة ، يحدث ان يقتنص الروائي وينسج اجمل روايته هنا ..ويحدث ان يلتقط الشاعر أروع المشاهد لبناء قصيدته من هنا..كما يحدث ان يبني القاص قصة تحكي عن وجع مخفي تخبئه ضلوع الناس ..هنا، كل شيء في متن الحكاية ؛له دلالة واحدة وان تغيرت الوجوه : بؤس ، فقر ، تذمر مشروع، ونقد لاذع لحكومات متعاقبة..هنا، في أسواق المدينة العتيقة هو المكان الأنسب ربما ،لرصد المخبوء في دواخل الناس ، وتعد الأسواق العتيقة أيضا مجس نبض لمؤشرات اقتصاد محكوم بثلة قليلة تقود البلد نحو تأزيم اكثر من ازماته القائمة اصلا ..
 
قبيل شهر رمضان ، بأيام معدودات تفقد المعادلة الاقتصادية عند الأسر توازنها اكثر ، ويبني الفقراء وما أكثرهم في بلدي معادلتهم على دخل مترد، وشهر يحتاج إلى الحد المعقول من النفقات ،فيما تزدهر صناعة الاحتكار عند بعض التجار ليزدادوا ثراء في شهر العبادة والنقاء..كل ذلك يحدث في أسواق المدينة العتيقة، فيما تنشغل حكومتنا “الرشيدة” بلقاءات مكوكية بضرورة إشراك المواطن بالقرار ليكون شريكا في النتائج ، وحقيقة الأمر أن الحكومة ذاتها كغيرها من السابقات تتفرد بالقرارات دون أن يكون للمواطن حتى حق الاعتراض او الرفض لأي شيء .
 
تتبختر في أسواق المدينة العتيقة في الصبح اوما بعد الظهيرة فتلمس عن قرب مدى تشابه اللغة الناقدة ، وايضا مدى تشابه الوجع ..هنا ،لكل وجه حكاية لا تنفصل مطلقا عن تفاصيل الحياة اليومية والسعي الجهادي لتأمين لقمة العيش ..،هنا حيث لا سيارات مظللة ، ولا شغالة تمشي الهويدا وراء سيدتها ، تمسك وانت تتبختر في وسط البلد بألم الناس من ياقته دون أن يشعروا لطالما ان قراءة وجوه الناس الطيبة لا تحتاج الا إلى نظرة ثاقبة تقتحم بسهولة شخصيتها الجوانية، على عكس الذين يتاجرون بالقيم وهم خواء منها وبراء..
 
يحدث في وسط البلد ، ان تشتهي طفلة حبات لوز لنكتشف ان سعر الكيلو الواحد 20دينارا ، فيما تباع الفراولة بخمسة دنانير ، يتوقف الأب او الأم بحسبها ثم يتمتم ويمضي ، فيما تدعثر الطفلة وهي تنظر على فرش اللوز الأخضر..يحدث ، ان تمر من هنا لتلقي نظرة على فاكهة ليست للفقراء ..يحدث ام تسمع بإذنيك وانت في الطريق امرأة تتمتم وتلعن ابو هيك حكومة ..يحدث في أسواق المدينة العتيقة اكثر بكثير مما يقال ..يحدث ان الزعتر البلدي يجاور الدوالي في سعر مخصص للاغنياء..!!