10
كنانة نيوز –
عدنان نصار يكتب:
الأمكنة العتيقة.. قصة مدينة.. وحكاية بلد.. هل يتوقف غزوها بالشيد والقرميد
لم تكن المدينة العتيقة قد عرفت الحداثة بعد. ولم يكن قلب المدينة قد يعرف “اسبرين الاطفال” ولا تخشى المدينة اي انسداد لشرايينها.. فالقلب سليم على اية حال ، والجسد يمتلك رشاقة الصبح الباكر ، ولا شيء ينغص على المدينة العتيقة ، بل كانت سعادتها تفوق الحداثة السمجة الراهنة التي سرقت الإرث والموروث، ومنحتنا الشيد والقرميد الأبكم.
كم نشعر بمرارة، ونحن نتبختر بشوارع المدن العتيقة التي لم يبقى منها سوى ذاكرة حزينة مترامية الأطراف لأمكنة هنا؛ وهناك.. وذات المرارة تلازمنا كلما ادرنا حوار الذاكرة بين المكان والانسان ، لنكتشف ان ما تبقى من الامكنة العتيقة أيضا تبدو حزينة ،مثل ارملة مكلومة لا تقوى على الكلام الا بالنزر اليسير لتسجل عتبها على الذي جرى لها في لحظة مباغتة وبقرار مباغت الحق بها الظلم ،بعد محاولات تيئيسها لإزالة ما تبقى من ذاكرتها ، لكأن الأمر مرسوم له مع “سبق الاصرار والترصد”.!
نتبختر ، في شوارع عمان الشرقية ، أو حارات اربد العتيقة ، أو زقاق الحي العتيق في الزرقاء ..، نرصد مشهد الأمكنة وما تبقى من ذاكرتها المؤلمة التي تبحث بين زوايا الأحاديث العابرة عن “جبرة خاطر” وقرار جريء يعيد لعتقها الألق ويمنع عنها أذى الحداثة المارق ،وبياض الشيد الزائف، وجنون القرميد الأحمر..أحياء عتيقة في قلب مدن عريقة تسعى جاهدة ومجاهدة لإدامة نبض قلبها الذي منح شهادة التاريخ للجغرافيا التي تسيدت المشهد بكل ابعاده السياسية والثقافية والفكرية والهندسية ..منحت للأجيال معنى عبقرية المكان وذاكرة الأشياء..
هنا ، في عمان أو اربد أو الزرقاء ، كل شيء له علاقة بالارث والموروث مختلف ، ومسألة بقاء تلك الامكنة على قيد الحياة مسكون بالشك ،ذلك أن القرار “الرسمي” من قبل الجهات ذات العلاقة (البلديات) يعد من القرارات الرخوة ، والمائعة ، وليست “المانعة” لهدم الموروث والإرث الذي يستوجب ان يكون من أولويات القرارات للحفاظ على ما تبقى من شهادة المكان وذاكرته.
يبدو ،اننا أمام حالة تفتقر للجدية والرصانة في مثل هذه القرارات التي تحمي إرث المكان ، كونه احد أبرز العوامل المكانية في الاستدلال على عراقة المدن وعلاقتها بالتاريخ ..فمثلا المبان القديمة في دمشق يمنع هدمها بقرار حكومي وبموجب قانون يحمي الامكنة القديمة ، وفي مدينة جده ظل سوق جده القديم على قدمه رغم امتلاك السعودية لكل أدوات الحداثة المعمارية ، وفي مراكش أيضا بقي السوق القديم على قدمه وكذلك الأمر في تونس العاصمة ومدنها العريقة ، لتبقى هذه الامكنة شاهدة حية تتوارثها الأجيال..نحن في الأردن، ما الذي ينقصنا مثلا لاتخاذ قرار يحمي الامكنة العتيقة من غزو الحداثة ، ويمنع عنها تسلل الشيد والقرميد .؟ مجرد سؤال يبحث عن جواب ، لتبقى الأمكنة العتيقة بانوراما يحكي للأجيال أو الزوار عن قصة مدينة ،وحكاية بلد..!
كاتب وصحفي أردني