هل تقبل الدولة أن يكون إعلامها منعزلا؟! / حسن محمد الزبن

كنانة نيوز –

هل تقبل الدولة أن يكون إعلامها منعزلا؟!
حسن محمد الزبن
بداية ما هو تفسير غياب وتواري الحكومة عن أزمة حقيقية ألمت في الأردن؟
ولماذا يغيب إعلام الاتصال الحكومي عن هذه الأزمة، أزمة الإضراب التي شملت مناطق المملكة وزادت من تفاقم أزمة النقل؟
يأتي التساؤل على أننا اعتبرنا وزارة الاتصال الحكومي خطوة بالاتجاه الأشمل لإدارة إعلام الدولة، وإعادة تأثيث البيت الإعلامي الأردني بالطواقم والكفاءات الصحفية والإعلامية، وأصحاب الخبرة في تناول وتمرير الخبر، وعرض محتواه بما يضمن التصدي للإشاعات وخطاب الكراهية، والتطرف، والأخبار الكاذبة والمشكوك بصدقيتها، أو ما من شأنه المساس بالأمن الوطني والاجتماعي، ونحن نراهن على وقوفها على الحقائق من مصادرها، وفتح المخفي من ملفات مغلقة، محل تساؤل المواطن، ويحجب تفاصيلها متنفذون في الوزارات ومؤسسات الدولة بطريقة تتعارض مع شفافية السياسات العامة في الدولة، ونحن نرى من خلال هذه الوزارة ضرورة التقصي والبحث تسهيلا لمهمة الناطقين الإعلاميين والمندوبين لديها، ولغير العاملين لديها، من مندوبين ومراسلين لمؤسسات إعلامية أردنية، خدمة لمتطلبات دقة المعلومة، وعدم التضارب في بثها، وتسهيل تحقيق السبق في نشرها.
لكن يبدو أن إعلام الاتصال الحكومي لم بيدأ خارطة الطريق الخاصة به بعد، ولم يضع أقدامه على عتبات النشاطات والقضايا التي تتعلق بالوطن، ويتململ في أن يخوض التجربة ليكون في قلب أول الأحداث المقلقة في الشارع الأردني، منذ استحداث وزارة خاصة بالاتصال الحكومي، إثر تداعيات إضراب المحروقات وأزمة النقل، ولا يحفل بالتواصل مع الإنسان الأردني الموجوع على أمل من ينصفه، مع أن صوته وصل لبلاد الواق واق، إلا أن صدى صوته لم يصل بعد للحكومة، رغم مرور تسعة أيام على الأزمة.
يبدو أن إعلام الاتصال الحكومي لم ينه الساعات المعتمدة لمساق تدريب الناطقين الإعلاميين للمؤسسات والدوائر الحكومية وتأهيلهم، ولذلك لم نجد أي تفاعل من ناطق إعلامي يبين لنا رأي الحكومة مما يجري من أحداث في موضوع إضراب المحروقات، ولم نجد ناطقا إعلاميا من تحت قبة البرلمان يوضح ما يجري في المطبخ المشترك بين الحكومة والنواب، عدا عن التصريحات الصادرة عن بعض النواب أمام كاميرات المواقع الإخبارية والإعلام المحلي، وهو جهد يثمن للمراسلين ومؤسساتهم، يوازيه الشكر للنواب الذين قدموا المعلومة ولبوا حاجة المعرفة للشارع الذي يريد أن يعرف ما الذي يدور؟ وماذا استجد في أروقة الاجتماعات؟ وجاء الرد على لسان بعض النواب أن الحكومة سترد هذا اليوم بعد مشاورات ومباحثات تم تداول الأزمة معها، ألا تعتقد الحكومة أن موعد الرد متأخر، وأن الأيام التي مضت من عمر الإضراب والاعتصام قد رتبت الملايين على خزينة الدولة، وعلى الاقتصاد الوطني.
إن وسائل التواصل الاجتماعي فيما يخص الإضراب، لم تقصر بالتغطية صوتا وصورة، فالمواطن الصحفي بدافع الفضول قد التقط الصورة والكلمة من عمق ما يجري في منطقته، ويُسجل لكل نائب زار مناطق الإضرابات وساهم بنقل صوت المضربين ومعاناتهم وشكواهم ومطالبهم، معززون هؤلاء النواب الارتباط الوثيق بالقواعد الشعبية، وأنهم نواب وطن بحق، وكان الأجدر والأجدى أن يكون أيضا مراسلون ومندوبون من وزارة الاتصال الحكومي، في كافة مناطق المملكة التي يعمها الإضراب ليقوموا بتزويد وتمرير المعلومة حسب القنوات الرسمية، وعبر المواقع الإخبارية والوكالات العربية والدولية والصحافة الورقية والإعلام المرئي والمسموع بدلا من الغياب وعدم التواصل مع المواطن، وكانت الحاجة لتعزيز هذا الحق بوجود إعلام مهني موضوعي يحترم العقل الأردني، ويحترم الحقيقة وشفافيتها، ويحترم كرامة الإنسان وحريته المصونة، ما دام يتصرف بطريقة حضارية في التعبير عن رأيه، وتلبية لخلق الوعي الجمعي، بأهمية الالتزام واحترام سيادة القانون.
فغياب الإعلام والاتصال الشفاف لقضايا ومستجدات وأحداث في الدولة، يولد خذلانا للمواطن أولا، ويقدم رسالة خذلان أخرى للكُتاب وأصحاب الرأي ووضعهم في حالة من اَلْغَبْن بطرح ما يخص قضايا وأحداثا أحيانا تعتمد أنصاف الحقائق، أو تعتمد على رؤية لم تكتمل، أو حلول مجتزئة على أنها حلول بالمطلق، أو أنها رأي لا يطابق الحقائق المتداولة ويأخذ طابع التكتم والضبابية وغير مفهوم، فما جرى في موضوع أزمة الإضرابات على خلفية رفع أسعار المشتقات النفطية أكبر دليل على ما ذكرته آنفا، وكان الأفضل أن يتواجد إعلام الاتصال الحكومي، وأن لا يترك مكانه فارغا، لأنه ببساطة من الأذرع الحيوية للدولة الذي بوجوده يقدم الرسالة الإعلامية ويرتقي بها أمام المواطن، ويعكس الصورة الحقيقية التي من المفترض لا غموض فيها، ليستند عليها أيضا الباحثون والمهتمون من قادة الرأي، وتكون مرجع موثوق لكل المؤسسات والمواقع والوكالات المحلية والدولية والعالمية.
المهمة صعبة، ولكن متى كان إعلاما بأعلى القدرات، وإعلاما فطنا يستشعر الصواب من الخطأ، ويتواجد في كل الظروف كاستجابة سريعة للمستجدات، وعلى دراية وإحاطة بإدارة الأزمات والتعامل معها، وتقديم محتوى إعلامي وطني تتم صناعته بحرفية وخبرة، ويتوافق مع تعزيز الانسجام والتناغم في الطرح للرأي والأداء دوت تلعثم أو تخبط أو تعثر، ففي النهاية هناك من يراقب، ويتابع، و هناك جمهور اتصال، كل منهم يُقيم الرسالة والنهج الإعلامي.
فالتوجهات الحكومية التي بالأصل مبنية على المصالح والعلاقات الدولية، والارتباطات والمواثيق والاتفاقيات الخارجية، مهما تناقضت مع مصالح ومطالب الشارع الأردني المحكوم ولو مؤقتا بالضغوط والمسكون بعواطف وعقلية تقرؤها الدولة وتعرف قناعاتها وآرائها، لكن على الحكومة واجب ومسؤولية تجاه المواطن الأردني، وعليها اعتبار قضاياه جزءا من وجودها، وعليه فإن إعلام الاتصال الحكومي يجب أن يكون بصورة كل ما يتعلق بتفاصيل مؤسسات الدولة وأهمها رئاسة الوزراء والوزارات والدوائر التابعة لها وصولا إلى البرلمان، مع أهمية أن يكون إعلاما منهجيا وعلميا وحياديا وإن كان القائمون عليه جزء من الحكومة؛ فلا يمكن أن يستمر الوضع والصورة على ما ترسخ لدى المواطن من قناعات بانعدام الثقة وفقدان الأهمية والمتابعة من طرفه بما يصدر عن الإعلام الرسمي، أو مجرد التفكير بتلقي المعلومة من خلاله، وهذا طبعا وللإنصاف ليس عيبا في المواطن، بقدر ما هو مسؤولية الإعلام الرسمي وعليه هدم الفجوة التي أوجدت هوة واسعة ومسافة بعيدة من العلاقة بين الشعب والحكومة.
ويجب أن يدرك الإعلام الرسمي، أنه ما عاد في العالم من أسرار، فإن حجبت اليوم فإنه يتم الكشف عنها لاحقا، مع إدراكنا أن الإعلام الرسمي في أي دولة وليس حصرا بالأردن، يخضع لاضطراب توافقي ما بين متطلبات ما تريده الحكومة، ومتطلبات الالتزام نحو الشارع والرأي العام، ونعلم أنه لا يمكن للإعلام الرسمي أن ينتقد أداء حكومته، أو أن يكون في مواجهتها، لكن أبسط ما يمكن أن يفعله ويُسجل له أن يكون مع ما يخص المواطن، وما يواجهه من هموم وقضايا بشفافية ومصداقية وبمساحة أوسع مما يتوقع المواطن نفسه، ليشعر أن الحكومة معه وإلى جانبه وليس ضده أو تفرض عليه ما لا يقدر عليه.
أخيرا تبقى حرية الرأي والتعبير والكلمة المسؤولة الفضاء الذي يرنو له أبناء الأردن، فإذا احتجب الإعلام الرسمي والاتصال الحكومي، وهذا ما لا يرغب به أحد إطلاقا، يبقى في الأردن العديد من النوافذ الإعلامية، ومن المؤسسات ووسائل الاتصال الإعلامي والصحفي تمتد عبر قنوات تلفزيونية ومواقع إخبارية وصحافة ورقية والإلكترونية، يقوم عليها جيل من المخضرمين الأردنيين ومعروفة كفاءاتهم وخبراتهم وهم رديف قوي لإعلام الدولة بما يقدمونه من عطاء وطني، وتبقى الديمقراطية، ويبقى الفضاء الإعلامي مفتوحا.
وحمى الله الأردن،