كنانة نيوز –
عدنان نصار يكتب اسئلة اردنية على لسان الناس.. وأجوبة على لسان المنهورين
عدنان نصار
ندخل إلى الركن الخاص الممتليء بالعتمة والظلام، ونهيأ لانفسنا لوازم تشبه الإقامة الجبرية ، وندخل في مرحلة الاعتكاف السياسي ، ونقرأ من نافذة ترسل بقايا شعاع شمس تعاويذ تقينا من الاشرار ..
هنا ، في الأردن وهي جزء من بلاد العرب أوطان…،تقف أسئلة في الحلق، وتعيق الأسئلة في غالبيتها مجرى التنفس وهي تبحث عن إجابات مقنعة ،تريح نفس السائلين وتمنحهم جرعة من التفاؤل لو على سبيل المزاح..ما يفرض على البياض الاعظم من الشعب ، من ضرائب ورسوم ، ورسوم على الرسوم وأشياء أخرى لها صلة بالجباية، لم يعد مطاقا ولا مقبولا ولا يقوى المنتمين إلى أندية الدخل المحدود على تحمله ،لأنه ببساطة فاق كل مألوف ،وخرج عن كل احتمال ، حتى صار الفقراء ممن يطلق عليهم إصطلاح “النباشين” اي الذين يبحثون عن شيء في حاويات القمامة فجرا او في ساعات متأخرة من الليل، صاروا في حالة تمدد وإتساع، وصار الفقراء ممن ينتمون إلى الدخل المحدود (الموظفين) الذين تقل رواتبهم الشهرية عن 500دينار أردني ،أيضا هم في حيرة من واقع اقتصادي مرير، يسعى إلى الاطاحة باحلامهم الصغيرة ..ما يفرض علينا صار يستحق التوقف وطرح الأسئلة السرية وإخراجها إلى العلن، بشفافية ووضوح وهي ان حدثت مهمة الغاية منها تمتين أعمدة الدولة الاردنية ، وترسيخ لوطن عانى شعبه أكثر مما يحتمل.
اذا كانت السنوات الفائتة ، تطرح أسئلة خفية خوفا من ملاحقة ما ، أو عقاب خفي يلحق بالسائل ، صارت الأسئلة ذاتها اليوم أكثر جرأة ،وأقوى حضورا ، وأعمق فهما ، واوسع تعبيرا ، وهذه المرة الأسئلة تجيء على لسان العامة من الشعب بعيدا عن “النخب” التي ملها الناس، وسئم من احاديثها المكرورة والخاوية الا من مصالحهم الشعبوية التي هي أيضا باتت بالهاوية..أسئلة العامة من الشعب ، بطحت كل أسئلة “النخب” وتجاوزتها، وكذلك الإجابات جاءت على لسان المهمومين والمحرومين والمظلومين والمنهورين والمقهورين أكثر ملائمة ،وأقوى حضورا..فلا صاحب الدكان في حارة من حواري المدن او الارياف او البوادي او المخيمات، يعنيه اي اجراء خشية اسئلته، ولا المثقف الملتزم بقضايا أمته تخلى عن دوره الريادي المجتمعي ، ولا الأرملة تخشى أسئلة تجيء من امعدة اطفال جائعين، ولا من أب مكلوم يبحث عن علاج لطفله..كل ذلك أدى إلى فتح نوافذ البيوت لاسئلة، كمن يشرع النوافذ لاشعة الشمس ..وفتح الأبواب على مصراعيها للبحث عن إجابة تشاركية وتوافقية تسمي الأشياء بمسميانها، وتعلن حالة من الثبات للحصول على أجوبة لكل الاسئلة، وتلعن بذات الوقت من اوصل الناس إلى هذا المستوى من القهر والجوع.
لست متشائما ؛ بقدر ما احمل مثل غيري هموم فائض من الأسئلة، ارصدها كصحفي متتبع لوجوه الناس في امكنة مختلفة ، لاجد في كل زاوية حكاية فقر ،ورواية جوع ،وقصة بطالة ، وقصائد شعر تنكأ فينا الجرح لنزداد ثباتا..ومما يمكن ذكره هو ذلك الزحف الباحث عن مصالحه واستغلال موقعه الوظيفي، بشكل يشكل بشاعة بلا حدود في تضييع احلام البسطاء والفقراء والمساكين ..تلك حالة تعد في نظر الإنسانية، والدولة التي تريد البحبوحة لشعبها جريمة يعاقب عليها المسؤول بصرف النظر عن هويته العشائرية او السياسية او مكانته في الدولة .
لا أظن أن من مصلحة الدولة السكوت او المحاباة او غض الطرف عمدا عن تصرفات لمسؤولين حرصوا كل الحرص على استغلال وظيفتهم لصالحهم، في وقت كانت وما زالت فيه الدولة الاردنية، تسعى لتعزيز ذاتها وتجميل صورتها وتوسيع منجزها يوما بعد يوم ،غير ان غياب “الانتماء” أوجد حالة من التراجع للدولة ، وتغييب رجالتها المنتمين أوجع مفاصل الدولة ، وتوزيع المناصب وفق المكاسب أعطى للناس حق الأسئلة الباحثة عن الإجابة.!
الدولة الاردنية أعطت الالقاب المختلفة فمئات أخذوا لقلب “الدولة” ،والآلاف أخذوا لقب “المعالي” وعشرات الالاف لقب “السعادة” ومئات الالاف لقب “العطوفة” ..أخذوا الالقاب منهم من استحقها وهم قلة بطبيعة الحال ، وغالبيتهم لم يقدموا للدولة اي شيء مطلقا .!
ليس عبثا ،ان يلجأ البياض الاعظم من الشعب للرظنس هذه الأيام لأغنية الفنان التونسي القدير والملتزم لطفي بشناق :”خذوا المناصب والمكاسب بس اتركولي الوطن” .
كاتب وصحفي اردني