إضاءة نصية على قصيدة “جوزاء” للشـاعرة الأردنيــة ربحية المـدلل – للأديب هاشم خليل عبدالغني

كنانة نيوز – ثقافة –

إضاءة نصية على قصيدة “جوزاء”
للشـاعرة الأردنيــة ربحية المـدلل
-هاشم خليل عبدالغني
من الأصوات الشعرية النسوية المميزة ، التي غزت المشهد الشعري الثقافي الأردني الشاعرة ربحية المدلل، صوت البهاء الشعري والوجه الأردني الحقيقي دون تمويه، نثرت حروفها النابضة بعبقها السحري الفاتن، المعبرعن مشاعرها الوطنية وأحاسيسها الأنثوية الإنسانية، بمشاركتها بفعالية فــي إقـامة أمسيات شعرية فـي مخـتلـف المـدن الأردنية.
ربحية المدلل تتسم قصائدها بطابع البساطة والوضوح والعفوية والشفافية الجميلة وصدق التعبير، وتحلق في آفاق الصورة الشعرية البعيدة عن التعقيد والغموض والتأويلات التي ترهق القارئ.
وفي معرض قراءتنا لقصيدة ” جوزاء ” سنحاول التطرّق إلى بعض المحاورالرئيسة التي يمكن إستخلاصها:
– المرأة المثيرة التي تخطف عقل وقلب الرجل :
قصيدة “جوزاء ” للشاعرة المدلل تتحدث عن امرأة من سهل حوران فاتنة ومثيرة ، ذهبت بعقل رجل أحبها ،فأيقظت بعفويتها فية مشاعر وجدانية عاطفية إنسانية ، غازلت مواجعه وآهاته وزفراته،فخطفت قلبه بهدوء .
ويحق لنا أن نتساءل كيف استطاعت هذه المرأة الحورانية( التي دق خصرها وضمر بطنها )،سلب عقل رجل أحبها بيسر وسهولة، واستحوذت على عقله وقلبه ببساطة وذكاء ؟،فاتنة عاشت في بيئة من لين العيش وسعته وبحبوحته ،تعامل برقة ولطف ، مميزة بين أقرانها في مجالات كثيرة ،وتبرز بين أترابها كبرج الجوزاء بين برجي السرطان والثور،يسهل تمييزها لتفوقها على اقرانها في مجالات عديدة … لأنها أنموذج خير متكامل للمرأة المرغوبة من الرجال .
من التقنيات اللافتة في قصيدة جوزاء للشاعرة ربحيه المدلل ، تقتية الخطاب السردي في نسيج القصيدة ،بإيقاعاته المختلفة، فتقول على لسان العاشق الولهان :
تكرمت علي الأيام حين التقيتها بالصدفة ” امرأة حسناء بيضاء ناعمة، هذه المرأة الساحرة كأنها من حوريات الجنة ، جعلتني أواصل السير في طريق الحياة بعطاء وأفتتان .
فللورد الذي استوطن في اطراف خديها عبق ، فزاد هذا العبق ورد خديها توريداً،اما أعلى صدرها ” موقع القلادة ” فقد استمد من القمر(ليلة كماله) إشراقته وتلألؤه وإنارته .
سبتنـــي فـــي سهــــــل حــــوران هيفــــــــــاء
مدللــــــةٌ كأنهــا بين النجـــــــــوم جـــــــــوزاءٌ
جــــــاد الـزمــــــان حيـــن التقـيت بهـــــــــــــا
حوريـــــــــــةٌ تكفلـت بهــا أكـف السمــــــــــاءٌ
قد سكــــن الــــــــورد اطـــــــراف خديهــــــــا
والنحـــــرٌ قد أخــــــــذ من البــــــــدرالضيــــاء
تتابع الشاعرة وصف الحورانية الفاتنة وصفا مادياً،فتقول : إن لكــفي الحورانية رائحــة عطرة إنتشرت منهما رائحة طيبة نفــاذة
فعطر المسك برائحته الطبيعية الناعمة يليق بالمليحات، جميلات المحيا والشكل ،رشيقات القوام خفيفات الحركة .
يفـــــــوحٌ المســـــكٌ من بيـن كفيهــــــــــــــا
والمسك عطــــــــــر لجميــلات الظبـــــــــــــاءٌ
– الوقوع في مصيدة الحب :
وتواصل الشاعرة المدلل سرديتها الغزلية عن عاشق(الحورانية )ذات الإنوثة الطاغية ،والجمال الفاتن،الذي ينطبق عليه القــول المشهور “تيجي تصيده يصيدك ” فالحب مصيدة ، تتصور أنك تصطاده ،فإذا بك أنت الصيد الثمين .
فعلى لسان العاشق المتيم تقول الشاعرة : دنوت منها وقد عزمت قاصداً جذبها نحوي وكسب ودها، ولكن قلبي لم يحتمل سهام حب أطلقتها من مؤخرة عينيها ، اللتان ليس لهما علاج فعال ومؤثر،لأن تفكري اضطرب وتعطل فلم أعد أرى فيها غير الصفات الإيجابية .
فاقتربت منهــــــا أنــــــــــوي تصيـــدهــــــــــا
فرمتنـــــــــي بألحــــــــاظ ما لهـــــــــــن دواءٌ
وتشير الشاعرة إلى أن الحورانية الجميلة رمت بسهام عينيها قلب عاشقها فأصابته وأستقرت فيه ،فأمسى معتقلاً بين رمشيها ، فطاب له المقام ولم يعد يتوسل الخلاص والنجاة من عيونها الحوراء ،وترتب على ذلك عُسر في التلفـّظ ،وحــدوث تداخـل و بطء فــي الكلام يصعب فهمـه، ” فالعيون كما يقال نوافذ إلى الروح والجسد .”
فأمسيت أسيــــــــرًا بيــــن رمشيهــــــــــــــا
ولا ارجــــو النجــاة من عيونهــــا الحـــــــــــوراءٌ
وتلعثمت كــل القصائــــــــد فـي فمــــــــــــي
فبت أقـــــــــدم لأحـــرف النثــــر الـرجــــــــــاءٌ
– ميثاق الحب والوفاء :
وتؤكد الشاعرة على أن الإفتتان والجاذبية الشخصية التي تتمتع بها المحبوبة الحورانية،وامتلاكها سماتٍ شخصية مميّزة مرغوب فيها.
هي مرحلة مهدت لحالة من الابتهاج والانجذاب والشعوربالسعادة ، الأمرالذي إنعكس على تصرّفات و إحساس المحب العاشق بالحيويّة والدهشة والشعوربالرضا والثقة بالنقس أكثر ….فقطع على نفسه وعداُ وميثاقاً لا رجعة فيه على الحب والمودة والوفاء،وعداً لها وحدها من دون النساء …ومن شدة تعلقه بها .. ينحني أمامها اجلالاً وأحتراماً كلما ذكرت سيرتها ، لبراءتها وأمتناعها عما لا يحل ولا يليق، وتجنبها سيئ القول والفعل كمريم العذراء .
وأعطيتها عهـــــــــود المحبـــــــــه والهــــــوى
ولا عهــــــد لغيرهـــــا عنـــــــــدي ولا وفـــــاءٌ
أنحنــــــــي اذا ما ذكرتهــــــــــــا شرفــــــــــا
طاهـــــــــــرة كعفـــــــــــة مــــريم العـــــذراءٌ

– المواجهة الأدبية دفاعاً عن الحبيبة :
وكأني بالشاعرة (ربحية المدلل) تتساءل كيف يُمكن للرجل إثبات حبه لحبيبته، والتعبير عن عاطفته ومشاعره الصادقة لها ؟فذلك لن يكون إلا من خلال جعلها في أعلى قائمة أولوياته والعناية بها قدر الإمكان، فالعاشق في هذا النص إذا اقتضت الحاجة وتطلب الأمر ، سيستل قلمه من غمده ويدافع بقوة وشراسة عن حبيبته ، وسيمنع أي معتدٍ الإقتراب منها ،لآن حبره سم مهلك قاتل،وأبيات شعره مرض عضال لا شفاء منه، لكل من يقترب من حمى حبيبته فقلمه كما يقول : كسيف عنترة العاشق في الكر والفر، خاصة إذا استغاثت به في الحرب عبلاه .
واستـــــــــل قلمــــــــي ان دعتنـــــــــــــــي
كعنتـــــــرة اذا نادتـــــــه في الحـــــــرب عبلاءٌ
وارد الفـوارس عـــن حماهــــــــــــــــــــــــــــا
فحبــــــري زعــــــاف وابيات شعـــــــــــري داءٌ

– نتيجة الحب الصادق :
وتنهي الشاعرة نصها الشفاف ،بالتأكيد على أن أجمل الحب ما بني على الصدق والمحبة والإحترام المتبادل ، بدعاء من العاشق الصادق أن يجمع الله بينه وبين حبيبته بالحلال، في أظهر علاقة وهي الزواج ،على سنة الله ورسوله .
ولكن ينتاب هذا العاشق شعوربالخوف من الفشل قبل الإقبال على خطوة إتمام الزواج ،بسبب بعض العقبات الإجتماعية والمادية ،التي تحول دون إتمامه..فتغادره السعادة ويهجره الصفاء والنقاء والوضوح .

واســـأل اللـــــه أن يجمعنــــــــــــــــــــي بها
على دين محمـــــــــد وشرائـــــــــــــع الآنبياءٌ
وأخـــاف ان يحـــــــــــــول القــــــــــــــدر بيننا
ســـــــــدا وتهجـــــــــر ليالينــــــا الصفــــــــاءٌ
وأخيراً يوجه المحب إلى على لسان الشاعرة سلامه وتحيته إلى من أسرته برقتها وطيبة قلبها ، إلى من منحته أجمل الأحاسيس والمشاعر، إلى من أغرم بها ،إلى من كانت في حياته وردة، منحته العطر والجمال ، وسماها أهل الحي( درة ) فنعمها لا تحصى.
وسلامــــــي لباقـــــــة الــــــــــــــــــورد تلـك
ولزهـــــــــرة قد سميت بالحــــــــــــــــي ألآءٌ
في هذه القصيدة حزمة من العواطف والمشاعر المتأججة، قصيدة “غلب عليها اسلوب السرد المفتوح، واللغة المرنة المتحركة إلى جانب الإسهاب في نقل المضمون البريء”، بطريقة تجعل القاريء ينجذب لقرأتها من السطر الأول وتمكنه من فهم ما وراء هذا النص وقصديته.