صراع حول قنابل الثقوب السوداء/ إبراهيم أمين مؤمن

كنانة نيوز – مقالات –

صراع حول قنابل الثقوب السوداء
إبراهيم أمين مؤمن- مصر
بعد مرور بضعة أيام من عقد مؤتمره أعدّ كاجيتا حقائبه -بوجهه الشرير- متوجها إلى المصادم الثاني (FFC-1) الكائن في نفق أسفل نفق المصادم العتيق (HLC)، وقد صحبه في رحلته فريق عمله -وهو أفضل فريق نجح في إجراء أفضل تجارب التصادمات وأخطرها على (FFC-1)- من أجل إجراء بعض التجارب في المختبر والتي تحاكي التجارب التي يود إجرائها على مصادم الوادي الجديد (FFC-2).
والغرض النهائي من تلك التجارب التوصل إلى قنابل الثقوب السوداء.
وبعد فترة تجاوزت عاما كاملا تمكن من وضع معادلة نظرية لصنع قنابل الثقوب السوداء، تلك المعادلة لم يدر بها أحد من الخبراء والعلماء العاملين على المصادم (FFC-1)، وما بقي إلا أن ينفذها عمليا على مصادم الوادي الجديد، لأن مصادم سيرن (FFC-1) كما هو معروف بداهة أنه غير قادر على إمساك الجرافيتون، فبدون إمساكه لا يمكن لقنابل الثقوب السوداء أن تخرج إلى النور.
بعد ذلك أرسل رسالة مشفرة إلى رئيس وزراء اليابان -المجنون بداء العظمة- يخبره فيها بأنه توصل إلى المعادلة النظرية وسوف يتوجه بفريق عمله إلى الوادي الجديد بمصر لتطبيقها عمليا، وسوف يأتيه بقنابل الثقوب السوداء في غضون بضعة أشهر لا أكثر.
وأود أن أذكر القارئ بأن أثناء تجارب كاجيتا على مصادم (FFC-1) وقع الحدثين المصيرين في العالم، الأول هزيمة الكتلة الشرقية في الحرب القائمة ورفض رامسيفلد لتعويضات الحرب من أجل فض النزاع بإيعاز من الملعون يعقوب إسحاق.
والحدث الآخر هو تحوّل نجم سحابة أورط إلى ثقب أسود، والذي على أثره توقفت الحرب من أجل الإعداد لرحلة جاك.

والمفاجأة أن كاجيتا متأكد من أن نجم سحابة أورط سيتحول إلى ثقب أسود، لم يكن مصدر تأكده نابع من مسائل علمية كجاك، وإنما لأنه أُخبر بذلك من لدن الكون المتواجد خلف النجم.
فكاجيتا كان يتواصل مع هذا الكون الذي لا يعلم بأمره أحد ولا جاك نفسه عبر بُعد الأحلام، ذلك البُعد الذي نعيش فيه أحيانا لحظات ونحن نائمون ولم ندر نحن البشر كيف دخلنا إليه ولا كيف خرجنا منه، كما لا ندري ما القوانين الفيزيائية التي تحكمنا فيه، غير أن واحدا من علماء الفيزياء البارزين تحدث عن هذا البُعد بقوله: يبدو أننا نعبر ثقب أسود قبل أن نتعايش مع الأحلام ونحن نائمون، وغالب الظن أن البُعد الذي نحلم فيه هو كون تعيش فيه الشياطين وربما الملائكة.
وكم تحادث كاجيتا مع هذا الكون وهو نائم، أو حتى إذا غفا، والغرض من تلك المحادثات هو أن يمكنهم من استعمار كوكب الأرض لإقامة الوزن بالقسط.
ولن يمكنهم من ذلك إلا إذا نجح جاك في الوصول إليهم، وسوف أميط اللثام عن فرضية وصول جاك إليهم من أجل أن يتمكنوا هم من الوصول إلى كوكب الأرض في الأحداث اللاحقة.
ولقد أخبر كاجيتا رئيس وزراء اليابان بأمر النجم، ولذلك أرسل الرئيس إلى وكالة الفضاء اليابانية للمساهمة في إعداد رحلة جاك دون علم ناسا بالأمر، ولقد أشار عليهم كاجيتا بتطوير إيريكا 300 ليكون الروبوت المعجزة في رحلة جاك اللاحقة، وليكون الوسيلة لنجاح رحلة جاك والوسيلة الأخرى هو السيطرة على رواد فضاء الشراع الشمسي الذي ابتكره جاك من أجل تحقيق مآرب الكون الذي يود غزو كوكب الأرض.
ولقد صممه الخبراء بوحي من كاجيتا على نفس طراز الكون الآخر بحيث أن يكون (إيريكا 300) واحدا منهم.

***

هبطتْ الطائرة بكاجيتا ورفاقه قادمة من إحدى مطارات سويسرا، في إحدى المطارات القريبة من محافظة الوادي الجديد، ومن ثم استقلوا سيارة متوجهين إلى المصادم مباشرة.
فور أن قرأ فهمان خبر قدوم كاجيتا وفريقه أرض الوادي الجديد أصابه الهلع، فهو لم ينس قول جاك له بأن يغلق المصادم أو يمنع كاجيتا من العمل على مصادمه لأن كاجيتا يود السيطرة على العالم هو ورئيس وزراء اليابان من خلال صنع قنابل الثقوب السوداء.
استقبله فهمان على باب المصادم الرئيس بدقات قلب تتصارع وبوجل بائن على ملامح وجهه.
قال فهمان: «حمداً لله على سلامتك أستاذنا.»
– «كيف حالك يا فهمان؟»
– «بخير حال.»
– «أنت معجزة يا فهمان.»
صمت لحظات ثم قال: «أخبرني عن حال رئيسكم العادل “مهدي”.»
– «بخير هو الآخر، وأود أن أخبرك أننا شيدنا هذا الصرح العظيم (يشير فهمان إلى مصادمه FFC-2) من أجل السلام.»
لم يعجبه قول فهمان، ولذلك أخذ ينظر بعيدا كأنه يتأمل شيئا ما ثم قال بحنق: «أنت مسرور يا فهمان؟ أشعر بقوة كامنة داخلك تكاد تمزق قلبك، ولذلك سأعمل على تمزيقه أكثر.»
وضج بالضحك، وضحك خلفه فريقه، بينما فهمان صامت يحاول التماسك بيد أنه يشعر بدوار لجرأة كاجيتا عليه وكلامه المستفز.
توقف كاجيتا فجأة ثم قذف فهمان بكلمات كالسهام المسمومة: «رئيسكَ يعلم أن هذا الذي بناه من أجل السلام سوف يسبح المصريون فيه في بحور من دماء بني الأصفر. (يقصد كاجيتا أن سلاح قنبلة الثقوب السوداء الذي سوف يبتكره سيزيل الولايات المتحدة الأمريكية من خارطة العالم).»
لم يفهم فهمان مراد كاجيتا لكنه اشتم رائحة الشر من بين ثنايا كلماته فقال متمتما: «ماذا تقصد؟»
لم يرد كاجيتا إعلام مراده ولذلك حوّر الحديث وقال ساخرا: «هل ما زلت تود الذهاب إلى إبليس؟»
تفاجأ فهمان بعلم كاجيتا بالأمر، ولم يدر بماذا يجيبه، فبادره كاجيتا: «أنت تسعى إلى وهم يا فهمان، وإن كنت تريد أن تعرف أين إبليس الحقيقي أخبرتك بمكانه.»
حدق فهمان به، وتمتم، وسرعان ما سأله: «هل عرفت أي البوابات أطرقه كي أصل إليه؟»
استاء كاجيتا من قوله، وقال ممتعضا: «ما زلت تود الذهاب إلى الوهم وتترك الحقيقة، إبليس الأكبر هي أمريكا، وبدونها يسوف يسود السلام الذي ترنو إليه يا فهمان.»
ثم ما لبث أن اقترب من إحدى أذنيه وقال: «ترى ماذا فعلت ناسا في شأن النجم الذي تحول إلى ثقب أسود ولم تود إخبار العالم به؟» ثم ابتعد عنه قليلا.
قال فهمان متمتما: «كيف علمت بأمر كهذا؟ أحقا ما تقول؟»
أشار إليه كاجيتا بأن يصمت واضعا يده على فمه. ثم اقترب من إحدى أذنيه مجددا وقال: «أخبر صديقك هذا الجاك بأني سوف أساعده في دحر الثقب الأسود، وسوف أمنحه رمحا يضرب به مؤخرته فلا تبقى له قائمة.»
وابتعد عنه قليلا واضعا يده على فمه مجددا وقال: «جاك، جاك فقط من يعلم بالأمر.»
وتركه وأشار إلى رفاقه بأن يأتوا خلفه وهو يضج بالضحك وهم كذلك.
بعد مُضي لحظات من رحيله هو وفريقه وفهمان ينظر إليهم بغيظ، توقف كاجيتا فجأة وانتصب كالتمثال، إذ جاءه وحْى إمبراطوريّة الآلات الكبرى، فرد ّعليه في اللاوعي خلف ثقب سحابة أورط أنّ إيريكا 300 ستكون دليلهم إلى الأرض، وخاطبهم أنّه يجب أن تتّحد دولة الآلات بجانب إمبراطوريّة اليابان الكبرى لإذلال البشريّة الحمقاء ولاسيما الأمريكان منهم.
استقبل رئيس الأمن كاجيتا وفريقه ليكون بصحبتهم حتى يوصلهم إلى أماكن إقامتهم وهو أحد المباني الفاخرة التي شيدت فوق نفق المصادم مباشرة.

***
ما زال فهمان واقفا في مكانه كالتمثال رغم مغادرة كاجيتا بنحو ربع ساعة تقريبا.
ظل عقله هائما في الحوار الذي دار بينه وبين كاجيتا، وتيقن أن كاجيتا له مصادر سرية يعرف من خلالها كل حركات وكالة ناسا وخاصة جاك.
وتساءل: كيف يعرف هذا الرجل بأمر تحول النجم، بل كيف عرف بأمر كتمان ناسا للأمر؟
والأعجب كيف عرف بأمر عزمي على الذهاب إلى الشيطان؟
وأمسك رأسه وهو يقول: رباه رأسي سينفجر. ماذا أفعل مع هذا الكاجيتا؟
يبدو أنه تمكن من اختراق بريدي الإلكتروني وقرأ كل ما دار بيني وبين جاك.
وخشي فهمان من كاجيتا، إذ تبين له من الحديث الذي دار بينه وبينه بأنه يضمر شرا مستطيرا لأمريكا، وفهمان يعلم جيدا بأن لا أحد يستطيع أن يتمكن من دولة مثل أمريكا إلا من خلال سلاح قوي، ولا يوجد سلاح أفتك من قنابل الثقوب السوداء.
وتذكر قول جاك له: لن تعبر، العالم سينتهي قبل أن تعبر، العالم الذي تُضحّي من أجله سيضيع بسبب مصادمك يا فهمان.
وتذكر آخر كلمة قاله له: إذن فأنا أحملك ما سيحدث للعالم من جراء حمقك.
شعر فهمان بأن كلام جاك سيتحقق، وأن كاجيتا سينال من العالم قبل أن يتمكن هو من عبور جسر الشيطان.
لذلك استقل طائرة خاصة ومضى نحو القصر الرئاسي لمقابلة الرئيس مهدي عله يستطيع طرد كاجيتا وفريقه من المصادم قبل أن تقع الطامة الكبرى ويتوصل إلى ابتكار قنابل الثقوب السوداء.

***
دخل فهمان على الرئيس، بينما مهدي كان يفكر ويحدث نفسه: ما جاء بك يا ولدي اليوم إلا لأمر جلل، فما هو؟
وبعد أن ألقى التحية قال: «سيادة الرئيس، لي طلب عند جلالتك وأرجو أن لا تردني خائبا.»
قال مهدي: «فهمان يا ولدي، أنت ابن مصر، وصاحب فضل على أهلها جميعا، لذلك فرجاؤك أمر، فاسأل ما تشاء أعطيكه.»
– «أريدك أن تطرد كاجيتا وفريقه من مصر.»
تفاجأ مهدي من طلب فهمان الغريب، وكلمة الطرد شدت جوارحه، فسأله: «من كاجيتا هذا؟»
ولما همّ فهمان بالكلام استوقفه مهدي وهو يشير بسبابته وقال كالمستدرك: «آه، لقد ذكره لي من قبل العلماء الذين أتوا للعمل على المصادم فور أن قابلوني.»
لم يكترث فهمان بقول العلماء فيه، وإنما دخل في الموضوع مباشرة وذكر له سبب طلبه ألا وهي رغبة كاجيتا في صنع قنابل الثقوب السوداء من أجل تدمير العالم.
تفاجأ مهدي بكلام فهمان، وتدارسه جيدا فيما بينه وبين نفسه، وقرر في مكامن نفسه أن ينتهزها فرصة من أجل إنقاذ فلسطين من أنياب الصهيونية العالمية، كما قرر تحويل مصر لإمبراطورية تحكم العالم رغبة في رفع جباه المصريين التي لطالما مرغت في الرغام وداستها أحذية اليهود الغليظة وحلف الناتو على مدار قرون طوال، وكانت عصيهم الغليظة مسلطة على أدبار وأقدام المصريين والعرب عموما ولاسيما دول الخليج.
رفع سبابته في وجهه وقال له بشغف ورجاء: «فهمان، بل أنا أرجوك أن تصنع لي هذه القنابل، أتوسل إليك يا ولدي.»
نزل طلب الرئيس على قلب فهمان كالصاعقة، وظلّ يتساءل في نفسه: ماذا يريد الرئيس منها؟ إن من يملك تلك القنابل سوف تدفعه للطغيان.
وآثر فهمان ألا يصنع لأحد تلك القنابل، ولذلك قرر أن يماطله لا أن يرفض طلبه رغبة في تحقيق أمنيته ويحقق طلبه ويطرد كاجيتا.
أثناء ذلك كان مهدي ينظر إلى ملامح وجهه، وتفرسه جيدا بل وأوغل في جوارحه وتأكد أن فهمان لن يصنع له ولا لغيره هذه القنابل، ففكر أن يفصح له عن مراده بيد أنه فضل إرجاء الأمر حتى حين.
قال فهمان أخيرا: «أمهلني بضعة أيّام فقط، فأنا غير متأكد أني سأنجح في صناعتها.»
– «خذْ راحتك خالص.»
– «وماذا ستفعل فيما رجوتك إياه؟»
– «لا أستطيع أن أردّه، فنوغر صدْر اليابان وأمريكا علينا، وأنت تعلم أنه ليس من حقي أن أمنع أحدا من العمل على المصادم، كما أن فعل كهذا ليس في صالح الخزينة المصرية. لكني لدي حل يريحك ويريحني.»
قال فهمان مندفعا: «ما هو؟ أخبرني.»
أجابه: «لتكن أنت أسبق منه، فكما يقول المثل”اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك” فهمان اصنع قنابل الثقوب السوداء وسلمها لي وأنا على استعداد أن أطأ دولة مثل أمريكا تحت قدمي.»
تبودلت ملامح فهمان وحملت ملامح جديدة، ملامح الخوف، فقد كان خائفا من كاجيتا، والآن تضاعف خوفه بعد أن تأكد فهمان (بحسب معتقده) أن الرئيس يود القنابل من أجل أن يتحكم في مصائر العالم.
قال فهمان: «إن شاء الله.»
قالها وانصرف.
بعد انصرافه قال مهدي لنفسه: لن أستطيع أن أغير ما برأسك يا ولدي، فإن كان جاك حملك مسئولية ما سيحدث للعالم لو امتلك كاجيتا قنابل الثقوب السوداء فأنا أحملك أيضا إهدار فرصة أن تعيش مصر بعزة وشرف، وكذلك فلسطين.