التوريث السياسي.. معضلة الاصلاح في الأردن/ د. لبيب قمحاوي

كنانة نيوز – كتب الدكتور لبيب قمحاوي التوريث السياسي.. معضلة الاصلاح في الأردن
ما دام النظام في الأردن قد حصل مؤخراً على ما يريده من تعديلات دستورية وممارسات فعلية تتجاوز في قوتها وأثرها قوة القانون والدستور نفسه، ومادام الحل والربط في كل شئ تقريباً أصبح بيد الملك منفرداً، يبدو أن الوقت قد حان، ضمن هذه الظروف والمعطيات، لإعادة النظر بشكل جَدّي في كامل المنظومة السياسية في الأردن والتخلص تماماً من الطبقة السياسية الحاكمة والجاثمة والعقلية الأمنية المتحجرة السائدة والدولة العميقة برموزها، والتحول نحو العناصر الجديدة والشابة والشريفة والمؤهلة علمياً والقادرة أخلاقياً وفعلياً على المساهمة في قيادة المرحلة المقبلة دون اخضاعها لِعُقَدْ وارتباطات وفساد من سبقوها من مسؤولين في مختلف المجالات.
المطلوب التخلص من الممارسات السلبية والسياسات التي أدت الى انهيار الجهاز الإداري الأردني والذي كان مشهوداً له في المنطقة العربية بالكفاءة ونظافه اليد، والى انهيار مماثل في الجهاز التعليمي بمختلف مراحله والذي كان من الواجب أن يبقى محايداً في توجهه وفلسفته بحيث يؤدي الى تخريج أجيال قادرة على التفكيرالايجابي والتعامل مع قضايا الوطن والمجتمع بالكفاءة المنشودة. المطلوب إعادة تأكيد وتفعيل سيادة الأردن على أرضه وموارده وسياساته وإرادته الوطنية.
المطلوب كمدخل لتغيير أوضاع الأردن والاردنيين البائسة هو إنهاء سياسة التوريث في المناصب السياسية كمؤشر أساسي وهام على صدق نوايا الحكم في الاصلاح الحقيقي، ونَبْذاً عملياً لأي شكوك شعبية عامة من أن يكون مسار الاصلاح عبارة عن عنوان أجوف لتمرير أهدافاً خفية من وراء التعديلات الدستورية المرافقة لعملية الاصلاح. توريث المنصب هو جزء من التفكير السياسي الاقطاعي المتخلف الذي يكافئ الولاء الأعمى بالمنصب والمكاسب عوضاً عن العمل على خلق الاسباب والعوامل الايجابية والمنجزات الحقيقية التي تؤدي الى الولاء الحقيقي الحر. فالولاء الأعمى هو، كما أثبتت الأحداث، المدخل الى الفساد وبالنتيجة هو التعبير الحقيقي عن الفساد الكبير المتوحش والذي أصبح مع الوقت المدخل الواسع الى الإفساد بشكل عام، وهكذا.
تتعامل تلك الطبقة من الورثة المستفيدين من التوريث السياسي مع الوطن الاردني بإعتباره مزرعتهم الخاصة يبيعون فيها ويشترون كما يشاؤون. وهم بذلك يعتبرون القضايا السياسية والعامة ملكاً لهم لا يحق لباقي الأردنيين التدخل في شؤونها. بل يصل بهم الأمر الى حد الاستهجان العلني فيما لو عَبَّرَ مواطن أردني عادي عن رأيه في أي قضية سياسية أو عامة. وهم أصحاب مدرسة الولاء الأعمى التي تعتبر الرأي الآخر معارضة ً تستحق العقاب أو القمع أو الحرمان من الوظيفة او العمل أو حتى القدرة على العمل الشريف الذي لا يفهمون أصلاً معناه وقيمته ، علماً أنهم أنفسهم يشكلون الأقلية الشاذة في هذا البلد. فالمواطن الاردني شريف بطبعه ولا يربط بالتالي مفهوم الولاء بالفائدة الشخصية بل بالإستقرار العام والأمن والعدالة والهدوء النفسي.
من الطبيعي أن تدافع طبقة الورثة والفاسدين عن مصالحها، وكذلك من الطبيعي أن يدافع الشعب عن مصالحه. وفي هذا السياق من الضروري أن يشعر الشعب بأن الحاكم يقف في صف الشعب وطموحاته وآماله وليس في صف تلك الطبقة البائسة من الورثة المنتفعين أباً عن جد، وهم أقرب ما يكونوا الى طبقة من مصاصي الدماء.
الدولة ليست حظيرة غنم يقوم على حراستها مجموعة ما من المتكسبين. بدون مجاملة أو لف أو دوران، الشعب مقهور وغاضب وعاطل عن العمل، وأجياله الجديدة تفتقر الى الأمل في المستقبل، ولا أحد يرغب أو يستطيع أن يبقى صامتاً اذا ما استمرت تلك الطبقة من مصاصي الدماء في مص دماء الشعب الى حدود الفناء.
مناشدة الشعب البسيط للملك بأن يتدخل هي في أصولها مناشدة له بأن يتخلص تماماً من كامل طبقة الورثة والفاسدين دون أي استثناء مهما كان قبل أن تصل الأمور الى الحد القاصم. إن طبقة الورثة أصبحت تقتات الآن على السلطة، والسلطة في هذه الحالة هي الملك. وعندما تصبح هذه الطبقة على ذلك المستوى من الاعتياش الطُفيلي الفاسد، يصبح الاستغناء عنها ضرورة وفي مصلحة السلطة، أولاً ناهيك عن المصلحة العامة .
تلك هي الحقيقة وذلك هو المؤشر الحقيقي والصحيح على صدق نوايا الاصلاح. فالتغيير المنشود هو بالدرجة الاولى تغيير طبقة الورثة والفاسدين مالياً وادارياً واستبدالها بنوعية جديدة من المسؤولين الشباب يتم اختيارها طبقاً لمعايير الكفاءة والنزاهة بعيداً عن المحسوبية والشللية والمكاسب التي دمرت هذا البلد وجعلته معلقاً بين الحياة والموت. فإبن أو بنت معالي فلان أو دولة علان ليس بالضرورة أفضل وأحسن وأكثر كفاءة من ابن أو بنت مواطن اردني عادي تعب وشَقِيَ حتى يوصل أبناءه الى مراحل متقدمة ، وإن بدرجات متفاوتة ، من العلم والقدرة على الانجاز. والدليل على ذلك هو المدى المتقدم الذي وصل اليه العديد من الأردنيين في نجاحهم لدى عملهم خارج الأردن وبعيداً عن جبروت وإسفاف وتعسف طبقة الورثة والمسؤولين الفاسدين بعد أن تم اغلاق السبل أمامهم من قبل تلك الطبقة الفاسدة وأزلامها ومحاسيبها .
الاستمرار في دعم طبقة الورثة والفاسدين هي إشارة سلبية على عدم توفر النية في الاصلاح. إن فاقد الشئ لا يعطيه ولا يستطيع أن يعطيه. وكما أخذ أولئك الورثة دورهم وفرصهم دون وجه حق، يحق للشعب الأردني أن يأخذ فرصته في حكم نفسه بعيداً عن اسفاف ومؤامرات ودسائس تلك الطبقة. إن الاصرار على الاحتفاظ بتلك الطبقة هو بمثابة اعلان حرب على حقوق الأردنيين وآمالهم في حياه كريمة وسعيهم الى ضمان مستقبل زاهر ومستقر لأبنائهم و أحفادهم. هذا هو الوضع بكل بساطة. تغيير تلك الطبقة هو المدخل الحقيقي للإصلاح، ولا اصلاح ببقائهم كطبقة حاكمة.