الأهرامات ..وفلسفة الحياة / بقلم فريال بني عيسى

كنانه نيوز – مقالات

الاهرامات .. وفلسفة الحياة الابدية
بقلم :- فريال محمد بني عيسى

للبعث رواية ولعالم الخلود واسطورة الحياة الابدية التي آمن بها المصري القديم حكاية نحتت فصولها بخوارق دنيوية عايشها انسان العصر الحاضر, فكانت شاهدة على عجائب هذا الزمن وغرائبه..

نعم انها مقابر الفراعنة التي حاكت اساليب الحياة ومقوماتها اعتقادا منهم بعودة الروح مرة اخرى لتحيا حياة ابدية, فكان عمق التعلق بهذا الامل وراء تشييد هذه المعالم الضخمة بمرفقاتها الجنائزية، وفكرته تلك لم تأت من فراغ وانما استمدها من خلال مراقبة الظواهر الكونية, وبفضل تأملاته فيها فقد استوحى البعث من خلال تكرار ولادة الشمس من الشرق وموتها في الغرب، ومن تكرار فيضان النيل في كل عام بنفس التوقيت ومن الزرع الذي ينبت مرة اخرى بعد حصاده, لذلك نجدهم قد اهتموا بالموت مع كراهيتهم له فها هي كتاباتهم تصفه باللص البغيض وقالوا فيه (الموت بغيض يجلب الدموع والاحزان، ويخطف الرجل من بيته ويلقي به على كثيب رملي في الصحراء) ولكن كره الموت لم يثنهم عن الاعداد له, ابتدأ بجسده الذي حرص على بقائه سليما من خلال ابتكاره لسر التحنيط الذي ابقى العلم عاجزا امام هذا الاكتشاف ويقوم على حفظ الجسم وحمايته ليكون بمثابة العبور الامن للحياة الاخرى وذلك ضمن عملية تستمر سبعين يوما بعد تنظيف وتطهير الجسد لكي يبدأ الرحلة الابدية, حيث تتم عملية تفريغه من الاعضاء الداخلية باستثناء القلب, منتقلا الى الاهتمام في البيئة المحيطة بالميت من خلال الرقى والتعاويذ والصور والنصوص الجنائزية وما يعزي الميت الحي من حالات وما يقابله من مصاعب وعقبات في عالمه الجديد والذي هو في النهاية اعادة تشكيل لعالمه الارضي الدنيوي خاصة اذا علمنا ان رحلته تلك تحتاج الى كل متطلباتة الدنيوية من اثاث وطعام وشراب وزينة وما الى غير ذلك والتي تندرج تحت مسمى المرفقات الجنائزية للمتوفى.

ومهما كان الهدف من وراء هذه المنشآت المصرية القديمة فإننا امام منجزات بشرية عظيمة اذهلت العلم والعلماء منذ آلاف السنيين ووضعتهم في حيرة لفترات طويلة حول كيفية البناء وهندسته وتصميمه والمواد المستخدمة وآلية العمل والانسان الذي قام على عملية الانشاء, لذلك فقد ظهرت تساؤلات كثيرة تمخضت عنها نظريات مختلفة واراء متعددة حول طريقة البناء منهم من قال بان الفراعنة استطاعوا السيطرة على كثير من القوى الكونية واستغلوا طاقتها في تحقيق اغراضهم العلمية منها طريقة ضغط الهواء ومنهم من تحدث عن تمكن الفراعنة من الغاء الجاذبية الارضية خاصة اثناء عملية رفع الحجارة وذلك بحسب علماء هندسة العمارة وعلم المصريات اذ تمت عملية تحريكها لمسافات طويلة وذلك عن طريق توجيه ذبذبات صوتية خاصة وشحنات كهروستاتيكية لتسهيل عملية رفعها, كما استعانوا بالبندول في وضع الاحجار بحيث تكون اكثر مقاومة لعوامل التعرية, واضاف بان الاعجاز الفرعوني يتمثل في كيفية ضبط الزوايا وربطها بهندسة الكون وحركة النجوم والاتجاهات الجغرافية والمغناطيسية للارض وهي تخالف النظريات الاخرى لبناء الاهرامات.

وقد ظهر رأي اخر تبناه الفرنسي (Joseph Davidovits) مدير معهد (Geopolymer) الذي اكد ان مادة الاهرامات من الطين ومصدره تربة نهر النيل حيث سكبت هذه المواد معا في قوالب حجرية محكمة ثم سخنت لدرجة حرارة عالية تصل الى 900 درجة مئوية مما ادى الى تفاعلها مع بعض حتى تشكلت الحجارة التي تشبة الحجارة الناتجة عن البراكين التي تشكلت قبل ملايين السنيين وذلك ضمن المعادلة التالية (( كلس + طين + ماء )) وهذا ما اثبتتة تقنية النانو بوجود كميات من الماء في هذه الحجارة ومثل هذه الكميات لا تجدها في الاحجار الطبيعية.

وما يؤكد على صحة هذه النظرية هو درجة الاتقان والتناسق في البنية الداخلية للاحجار والتي ترجح احتمالية انهم صبوا الطين في قوالب فجأت اشكال الاحجار متناسقة تماما ومتساوية ومتشابهة, كما دعمت هذه النظرية نتائج المجهر الالكتروني لبعض العينات من حجارة الاهرام وكانت النتيجة التي ظهرت في بلورات الكوارتز نتيجة تسخين الطين واضحة, ووجود ثاني اكسيد السيلكون يدعم مقولة عدم طبيعية هذه الاحجار, بالاضافة الى مابينتة التحاليل التي ظهرت باستخدام الاشعة السينية والتي بينت وجود فقاعات هواء داخل العينات المأخوذة من الاهرامات والتي تشكلت اثناء صب الاحجار من الطين بسبب الحرارة وتبخر الماء من الطين ومثل هذه الفقاعات لاتوجد في الاحجار الطبيعية وهذا دليل اخر على ان الاحجار مصنوعة من الطين الكلسي ولا يزيد عمرها عن (4700) سنة. وهذا ما أيده البرفسور الايطالي ( Marrio Collepardio ) الذي درس هندسة الاهرامات قال ان كل مافعله الفراعنة انهم جاؤوا بالتراب الكلسي المتوفر بكثرة في منطقتهم ومزجوه بالتراب العادي وأضافوا اليه الماء من نهر النيل وقاموا بابقاء النار عليه لدرجة حرارة مما اكسبة صلابة وشكلا يشبه الصخور الطبيعية.

وقد عثر على مايفوق 100 هرم تضم مدافن لملوك مصر القديمة وزوجاتهم وعوائلهم واهليهم والمقربين منهم وعلى رأسها اهرامات الجيزة الواقعة غرب القاهرة ويتصدرها هرم خوفو وخفرع ومنقرع.

ويأتي هرم خوفو على راس هذه الاهرامات حجما وباشراف المهندس حم أونو والذي يصل ارتفاعة الى ( 146م) وانشئ على مساحة (13) فدان بني من الحجارة الكلسية الضخمة التي ترواحت اوزان الحجر الواحد منها مابين الطن والثمانية اطنان,استخدم في بناءه مايقارب المليوني حجر, تم جلبها من نفس المنطقة حيث كانت توضع على زحافات خشبية يتم سحبها بالحبال والثيران مع رش الماء على الرمال لتسهيل عملية السحب وقد استمرت عملية بناءة (20) عاما استخدم في بناءة (20) الف عامل وقيل في رواية اخرى (100) الف عامل بعضهم دائميين وبعضهم موسميين ارتبطوا بالموسم الزراعي, وقد انفرد الهرم بتصميمه الهندسي الداخلي حيث لم يكن من السهولة اكتشاف غرفة الدفن وذلك بغرض حمايتة من اللصوص, ولكن ومع ضخامة هذا البناء العملاق الا ان المفارقة تمثلت بعدم العثور الا على تمثال واحد صغير مصنوع من العاج يصل طوله الى (7,5سم) والسبب في ذلك يعود لقرار الملك بمنع اقامة او نحت التماثيل..

وعثر بجانب الهرم على معبد الوادي ورصيف الصعود الذي يصله بالمعبد الجنائزي في شرق الهرم الى جانب العثور على ثلاثة اهرامات صغيرة لزوجات الملك. وياتي هرم خفرع كثاني اكبر هرم من اهرامات الجيزة والذي يصل بارتفاعه (143م) اذ تستطيع الوصول من خلال ممر افقي الى حجرة الدفن المحفورة في الصخر والمحتوية على تابوت من الجرانيت, اما المعبد الجنائزي ومعبد الوادي فانهما يقعان شرق الهرم وبنيا من الحجارة الكلسية وذلك لاقامة الطقوس الدينية, وينسب الى خفرع نحت صخرة ابو الهول الذي اخذ شكل الاسد ورأس آدمية كرمز للقوة والحكمة حيث قيل عن سبب بنائه انه كان قطعة حجرية تشوه المكان فنحتت على هذا الشكل.

واخيرا فان الملك منقرع المحب لشعبة شيد ثالث هرم من اهرامات الجيزة واصغرها بعد هرم خوفو وخفرع, ويبلغ ارتفاعة (66م) ومساحة قاعدتة (108م) وقد غطيت طبقات الهرم السفلية وعددها ستة عشر بكتل من الجرانيت الوردي, بالاضافة الى حجرة الدفن المقطوعة في الصخر وقد اغلقت بواسطة ثلاث سدات من الجرانيت او القوالب الحجرية,وقد عثر بداخلها على تابوت الملك منقرع المصنوع من البازلت, وقد بني معبد الوادي والمعبد الجنائزي والطريق المؤدي اليهما من الطوب والحجارة الاقل جودة والتي لم يكتمل بناءها في عهده. علما بأن مراحل الدفن عند المصري القديم كانت قد مرت بمراحل عدة بدات بحفرة بيضاوية يوضع بها المتوفى على شكل الجنيين في بطن امه تسهيلا لعملية ولادتة مرة اخرى, ثم تطورت عملية الدفن لتصبح بغرفة او غرفتين مع مرفقاتهما الموضوعة فيهما مرورا ببناء فوق الأرض وهو مايسمى بالمصطبة وصولا لظهور المدفن الهرمي (( المستوحاه بشكله من فكرة نشأة الكون حسب ما جاء في الكتابات المصرية الدينية وذلك ليساعد روح المتوفي في الوصول الى السماء مع المعبود رع))وظهور الشكل الهرمي لاول مرة كان للملك زوسر في منطقة سقارة وقد ولدت هذه الفكرة على يد المهندس (( ايمحوتب)) الذي كرم من قبل الملك بوضع اسمه على قاعدة تمثاله في سابقة لم تتكرر في التاريخ المصري القديم.