البحر الميت ومقوماته التي تنبض بالحياة / بقلم فريال بني عيسى

كنانه نيوز – مقالات –

البحر الميت ومقوماته التي تنبض بالحياة 

بقلم : فريال بني عيسى

كيف ندعوه ميتاً وهو المنتج الحي بمائه وهواءه وطينة, استقطب السياح من مختلف بقاع الأرض, ينشدون الاسترخاء ويتطلعون إلى الاستشفاء, ويخاطب متتبعي النظارة والشباب إذ يتبوأ مكانة متقدمة على صعيد الأماكن العلاجية, حيث جابت شهرته قارات العالم ابتدءا من أمريكا وأوروبا مرورا بآسيا وأفريقيا وانتهاءا باستراليا, وذلك بسبب امتلاكه لمقومات فريدة ساهمت وتساهم في علاج ما استعصى من الأمراض, هذا إلى جانب ما يجود به علينا من ابتكارات نوعية في مجال العناية بالجمال وأسبابه وتفاصيله ليصبح الهاجس الذي يحاكي متتبعي الجمال عامة والنساء خاصة, ناهيك عن تقديمه لنمط آخر من أنماط السياحة ألا وهو السياحة الخاصة بالسفر إلى مناطق طبيعية عذراء لم يلحق بها الأذى ولم يتعرض توازنها الطبيعي والبيئي إلى الخلل ألا وهي السياحة البيئية التي أصبحت المطلب والمقصد لكل الباحثين عن السكون هروبا من صخب الحياة  وديدنها الغوغائي للاستمتاع بجماله ومناظره الخلابة  ويمنح  ذوي المواهب المختلفة  الإلهام ليتسنى لهم التعبير عنها بأوجه مختلفة كل حسب موهبته من كتاب وشعراء وفنانين وغيرهم.

أذن هو الميت الرافد للحياة والشباب وهو مركز للنضارة والجمال وهو ما جادت به الطبيعة علينا بمقومات فريدة لم تكن وليدة اللحظة وإنما ضربت جذورها في أعماق التاريخ فهي البحيرة المسماة ببحيرة الملح لما عرف عنه من شدة الملوحة وكانت الملكة كليوباترا من أوائل من تعرف على خصائصها وأنشأت عليها مجموعه من المصانع الخاصة بإنتاج الأدوية ومستحضرات التجميل .

ولكن هناك سؤال هام ويتبادر إلى الأذهان حول ماهية تلك المقومات التي أكسبت البحر الميت خصوصية انفرد بها على مستوى العالم, مبتدئين بنشأته الأولي وبحسب نظرية العالم (ليوبيكارد) الذي بين بأن البحر الميت كان عبارة عن بحيرة واسعة حلوة المياه امتدت لتصب بالبحر الأبيض المتوسط وان التغيرات التي جرت في علو الأرض قبل مليوني عام أدت إلى انحسار مياه البحر مع تبخر المياه الذي زاد من نسبة ملوحتة, أما أطوال هذه البحيرة فتبلغ (37كم) طول و(15,700كم) عرض, أما انخفاضة عن مستوى سطح البحر فيبلغ (417م) بحسب قياسات عام 2003م كأخفض بقعة على سطح الأرض وبمساحة إجمالية بلغت (945كم مربع).

وهنا ,  وقبل البدء باستعراض خصوصياته لابد من إطلاق صافرة إنذار تحاكي المعنيين بالمحافظة على البيئة والمهتمين بالطبيعة وبالمخزون الجمالي للتنبه للمخاطر التي تحدق بهذا المورد الاقتصادي الهام ألا وهي خطر الزوال ونضوب ماءه بسبب انخفاض منسوب مياهه المتواصل جراء انخفاض نسبة المياه التي ترفده وعلى رأسها المياه القادمة من نهر اليرموك ونهر الأردن بشكل كبير مما يهدده بالجفاف, ويعتقد انه بعد (20) عام قد نجد أن البحر قد جفت مياهه لكونها تتراجع كل عام بنسبة (70سم) وفي سنوات الجفاف تتراجع مترا كاملا, علما بأن منسوب المياه كان في بداية الستينات (392م) تحت مستوى سطح البحر, وفي سياق هذا الموضوع لن نستطيع تجاهل ما ذكر حول بعض الحلول المقترحة التي من شأنها الحفاظ  على هذه البحيرة وكان من أهمها اقتراح مشروح يتضمن شق قناة البحر الأحمر إلى البحر المتوسط لتسييل المياه المالحة إلى البحر الميت إلا انه لم ينفذ لغاية الآن بسبب عدم ضمان النتائج التي قد تحدث تأثيرات سلبية على بيئة البحر وتغير من تركيبة مياهه, ناهيك عن التكلفة المادية الباهظة لهذا المشروع.

ويعزى سبب الانجذاب إلى البحر الميت إلى اجتماع الفريد من العوامل مثل التركيب الكيمائي لمياهه وأشعة الشمس المصفاة والهواء المشبع بالأوكسجين علاوة على الطين الأسود المشبع بالمعادن

وعند الدخول إلى عناصر القوة الجاذبة لهذه البحيرة علينا أن نتناوله من عدة جوانب نبدأها بخصائص مياه البحر الساخنة والمالحة والتي تصل أربعة أضعاف ملوحة مياه البحار العادية بحيث تصل نسبة الأملاح فيه إلى (280غم) في الكغم الواحد من الماء بينما تصل نسبة الملوحة (35غرام) في الكغم الواحد للمياه العادية أي ما يعادل تسع أوعشر أضعاف ملوحة مياه المحيطات, وتتغير اعتمادا على العمق أما عن مصادر ملوحته فانه يستمد بعضها من السطح وبعضها من الينابيع تحت السطحية ومن الغدران المنخفضة غير الدائمة التي تمر بصخور سدوم الملحية وبعض الملوحة تأتي من تربة المستنقعات شبة الجافة والنهيرات الأربعة التي تصرف مياه أمطار مرتفعات مؤاب  مع عدد من الوديان متقطعة الجريان جميعها تحمل إليه الأملاح, كما تنبثق في قاع البحر ينابيع من المياه المالحة المحملة بالأملاح المعدنية مثل البروميدات والكبريت التي تمنع وجود كائنات حية فيما عدا القليل من البكتيريا وهذه الأملاح هي التي تعطي البحر مذاقها المر ورائحتها الكريهة. أما نهر الأردن فيمده ب (6500000)طن من السبعة طن التي تصب فيه يوميا وبالنظر إلى التركيبة الكيميائية للمياه فنجدها قد تميزت بارتفاع نسبة المعادن والتي تركزت بنسبة (13) ضعف عن بحار العالم وبمجموع بلغ مايقارب (21) معدن على رأسها المغنيسوم والكبريت وتبلغ نسبة تركيزهما فيه (15%) هذا بالإضافة إلى البرومين, بوتاسيوم وغيرها, وتحمل أملاح البحر فوائد متعددة إذ يستخدم  (11) معدن منها لمعالجة الصدفية والاكزيما ومعالجة الروماتيزم, وتتركز المعادن في الأطراف الضحلة فالبحر عبارة عن مخزن لهذه الكيميائيات الثمينة.

وعند الحديث عن فوائد بعض هذه المعادن والأملاح فنجد بأن الكبريت ضروري لتصنيع الكولاجين, والكالسيوم يساعد في تقوية أغشية الخلايا وتنظيف المسام وهام في الحفاظ على الأسنان والعظام وتنظيم عضلات القلب والأعضاء أما البروم, فأنه يساعد في تجديد خلايا الجسم, والمغنسيوم يساعد الجسم للاستفادة من المواد الغذائية في حين يساعد على امتصاص الغذاء وطرد الفضلات وغيرها الكثير من الفوائد التي يصعب حصرها ويستخدم بشكل أساسي في معظم مستحضرات التجميل الخاصة بالبشرة خاصة تلك التي تتعلق بالتقشير لان بلوراتها تعمل على إزالة الخلايا الميتة وتنعيم البشرة وتصريف المياه المحتبسة بالقدمين, وقد أجريت  مجموعة من الدراسات البيولوجية والكيمائية على بعض الكائنات الحية المكتشفة مؤخرا وتعيش فيه رغم شدة ملوحته وقد أثبتت استخدامها في معالجة الأمراض السرطانية والجلدية المختلفة إلى جانب العديد من الصناعات الطبية.

ومن شواطئ البحر الميت يندفع الطمي الأسود الذي يستخرج من البقعة الأكثر انخفاضا على سطح الأرض والأغنى على الإطلاق بالمعادن والذي يحتوي بين طياته (26) عنصرا هاما  من المعادن لجسم الإنسان أكسبتها الأهمية الخاصة لكونها تناسب جميع البشرات نظرا لتنوعها وغناها واذكر منها المغنيسيوم, البوتاسيوم, الكالسيوم, البرومين, السلفات, الليثيوم, اليود, الحديد, الكروم,الزنك…الخ) وتغذية الجسم بهذه المعادن يساعد لتحسين أداء الدورة الدموية  ويساعد على التخلص من السموم والإرهاق والآم الظهر وتوفر للخلايا العناصر الهامة لتجددها وتشد البشرة وتقاوم التجاعيد وتعمل على إضفاء الحيوية والنضارة ,ويساعد في إكساب الجلد نعومة فائقة هذا إلى جانب مساعدتها في علاج الكثير من الأمراض مثل الروماتيزم والأمراض الجلدية كمرض الصدفية,والاكزيما.

أما هواء البحر فهو صحي ونقي لكونه مشبع بالأوكسجين جاف وغير ملوث مع انخفاض الرطوبة ويحتوي على تركيز عالي من المعادن, وأشعة الشمس آمنة وغير ضارة وذلك بسبب بخار الماء الذي يعمل كفلتر طبيعي يقلل من  وصول أشعة الشمس بشكل مباشرو بالتالي يقلل من ضررها, هذا إلى جانب دفئ هذه المنطقة بالشتاء إذ تبلغ متوسط درجات الحرارة (30,4م)مئوية, في الوقت الذي يتصف مناخه بالحار جدا صيفا لذلك يعتبر المكان المميز لسياحة المشاتي.

وللقيم العلاجية المتعددة والمتنوعة والتي أنعمت بها الطبيعة علينا وأمام هذا المنتج الطبيعي والتاريخي الضخم ذي الميزات الفريدة والتي إن أحسن استغلالها وتسخير مواردها بالصورة المناسبة ستكون البديل الأمثل لما نعانيه من شح بالموارد الطبيعية, لذلك كان الالتفات واجبا لهذا المنتج الضخم من قبل القائمين على هذه الصناعة بالصورة التي تتناسب وإمكانياته التي فتحت الآفاق أمامهليتنافس على موقع  يؤهله لان يكون واحدا من عجائب الدنيا الطبيعية السبع وذلك بإدارة السويسري برنارد دوبير وقد دخل البحر الميت السباق في \201١ ) ووصل الى القائمة النهائية التي تضم (14) دولة منها مغارة جعيتا بلبنان ونهر الأمازون وجزر جالاباجوس وشلالات أنجيل في فنزويلا وغيرها من المواقع الطبيعية العالمية ذات الأهمية, وانسجاما مع هذه المقومات كان لابد من إطلاق مجموعة من المشاريع السياحية والعقارية برؤوس أموال بعضها أردني محلي وأخرى عربي خليجي وبعضها عالمي, لكون هذه المنطقة باتت مقصدا للكثير من المشروعات العقارية والاستثمارية خاصة تلك التي تركز على إنشاء مرافق ومنتجعات علاجية تراعي الاستفادة من خصوصيات هذه المنطقة بمائه وهوائه وطينته, ومع تعدد المشروعات وتنوعها سنصل إلى بيئة سياحية متكاملة تعزز وتدعم الدخل السياحي  للمملكة, مع صيانة طريق البحر الميت بحيث يتم تأهيله ليصبح طريق ساحلي للمتنزهين والمصطافين مع مخططات مستقبلية لإنشاء شاطئين شعبيين وكورنيش على البحر مزروع بشجر الأثل مع الاهتمام بإنشاء مناطق مساندة للفنادق والمشاريع التي ستقام مستقبلا.

ه وزيادة عدد المنشئات الفندقية يعمل على تشديد المنافسة بين الفنادق بما سينعكس على تحسين الخدمات وبأسعار منافسة, وحتى نضمن الاستمرارية الناجحة لهذه الاستثمارات لا بد أن ننطلق من مراعاة حقيقية لواقع المجتمع  المحلي الذي سيحتضن مثل هذه المشاريع إضافة إلى حرصهم على البيئة والحيلولة دون المساس بها واستنزافها.

كل هذا جاء متزامن مع الاهتمام بالمكان تاريخيا وسبر أغوارها والتعرف على تفاصيلها الأثرية ومن منا لم يسمع بقصة سيدنا لوط الذي دعا قومه وأهله إلى الإيمان والالتزام بالأخلاق الحسنة ألا أنهم رفضوا الاستماع له فكان عقابهم أن أرسل الله عليهم زلزال هائلا وحريقا كبيرا احرق مدنهم الخمس وهي (سدوم, عموره,أدما, صوبين, وصوهرة) وأغرقتها جميعا تحت ماء البحر, وقد وردت قصة النبي لوط عليه السلام بالقرآن الكريم ففي سورة الحجر قال تعالى( فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) صدق الله العظيم كما وردت القصة بالإنجيل حيث جاء في الكتاب المقدس :”فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبيرتا ونارا من السماء وقلب تلك المدن”: ومن اجل هذه الغاية جرى اتفاق بين الأردن وجمهورية روسيا الاتحادية على البدء بالبحث عن مدن سدوم وعمورة والمعروفة بمدن قوم النبي لوط علية السلام في قاع البحر الميت على أن يتحمل الجانب الروسي كامل التكاليف بما فيها إحضار المعدات والاجهزه المتطورة والمتخصصة في إجراء عملية المسح والتصوير الطبقي الذي يسمح بالتصوير أسفل مياه البحر.

وأمام هذا التميز والتنوع لابد من وضع خطط واستراتيجيات وطنية تهدف إلى تقوية عملية التسويق السياحي وجعلها أكثر عمق وشمولية يرافقها تطوير الموارد البشرية المتخصصة ليصار في النهاية إلى زيادة عوائد قطاع السياحة وتساهم بشكل اكبر بالناتج المحلي الإجمالي.