كرنفال محاربة الفساد / عبدالفتاح طوقان 

كرنفال محاربة الفساد

عبدالفتاح طوقان

لم تبذل الحكومة الأردنية جهودا كبيرة لألقاء القبض علي مدير ضريبة جنوب عمان والحجز على أمواله، فقد كان الملف جاهزا لامتصاص غضب الشارع ضمن ملفات اخري في الطريق ستظهر خلال الأسابيع القادمة، ولم تحتاج الحكومة لوضع أنظمة وقوانين تضمن عدم التلاعب بالمال العام، وتضع عقوبات رادعة لمرتكبي جرائم الفساد فقد كان عام ٢٠٠٥ بداية ادخال ” هيئات مكافحة الفساد” و اصدار القوانين و إنشاء المحاكم المختصة الي الدول العربية تحت طلب الأمم المتحدة والدول المانحة لان كثير من الأموال التي أتت الي شعوب تلك الدول تمت سرقتها من قبل بعض الحكام و المتنفذين من أصحاب “الحماية الإغلاقية ” لفسادهم.

واقصد ان بعض من الفاسدين الاخرين، لم يسمح لهم بالسرقة، وكأن الحرامية شلل وحارات، لذا بدأ تسريب وقائْع الفساد من خلال من لم يسمح له بالسرقة من خلال بعض الصحف التي أنشئت لهذه الغاية. صحافة أتت لقتل الحس النقدي ومدت يدها الي النقد الأسود.

انها قصة فساد في جسد الدولة الأردنية العميقة، هذا المصطلح ” الدولة العميقة ” هو مصطلح سياسي قديم، يشير الي عدم صلاحية المسؤول وعدم ولايته وان من يدير الشؤون البلاد ليس هو وانما هو واجهه، لا بل سكرتير تنفيذي.

ولقد استخدم الرئيس ترامب في خطابه عام ٢٠١٧، مصطلح الدولة العميقة في إشارة واضحة انه هناك اياد خفية تحكم غير رئيس الدولة، وقصد المخابرات وأصحاب الاعمال والساسة القدامى المستفيدين من الدولة لوضعها الحالي.

والدكتور عمر الرزاز، بدا انه يقتفي أثر من سبقوه لحظة ان أعلن تشكيلة حكومة يقال انها فرضت عليه، وبلا شك سيواجه “ديناصورات الدولة العميقة” التي ان لم يمنحها حمايته فلن تبقيه، ولها تياراتها وادواتها وسلطتها بما فيها التأثير على الشارع وتحريكه.

وعودة الي الأمم المتحدة لذا، فقد كان الطلب من الدول الأعضاء بلا استثناء لتنفيذ الالتزام باتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمكافحة الفساد شرطا رئيسا، وبدأ الأردن انشاء هيئة مكافحة الفساد، محكمة مختصة بجرائم الفساد، لجنة وزارية لمتابعة الفساد، قوانين معدلة للكسب غير المشروع وغيره من الأمور، والتي كانت كلها “كرنفاليه “ولا تزال.

وللتأكيد على ذلك، فأن رئيس الوزراء الأردني، الذي أشار الى ” من اين لك هذا” وكان اول مدير مخابرات يؤسس دائرة مكافحة الفساد، اول من ذهب ضحية ” الإشارة الي فاسدين ” في الدولة العميقة، فأقيل قبل ان تطال يده رقبة اثنين منهما عام ١٩٨٥. السبب قوة الدولة العميقة وتأثيرها في مجريات الاحداث.

عموما، الخطوة التي قامت بها حكومة الرزاز والمدعي العام، أيا كانت أسبابها ودوافعها، تصب في الاتجاه الصحيح، حيث قرر مدعي عمان الحجز على أموال مدير ضريبة الدخل السابق وشريكه وصاحب الشركة التي تهربت ضريبيا ومنعتهم من السفر. لم يستغرق ذلك أكثر من رسالة موقعه.

ويتساءل الشارع، مع تلك الصحوة المتأّخرة والتي فرضها حراك الشارع، هل بإمكان رئيس الحكومة، اتخاذ اجراء مماثل في قضية وليد الكردي والفوسفات؟، الذي أرسلت حكومة الملقي مبعوثها الأمني الي فرنسا للمتابعة مع الشرطة الدولية، ثم تناست اعادته ضمن انشغالها بفرض الضرائب وتثوير الشارع بقرارتها المستفزة. اين هي مذكرة الجلب الذي تحدثت عنها حكومة الملقي الذي كان بها الدكتور الرزاز وزيرا؟

اذا كان السيد الكردي بريئا فلماذا لا تعلن براته، و اذا كان محصنا فلماذا لا يقال انه محصن؟، و اذا كان متهما فلماذا لا يحجز علي أمواله و أموال عائلته، مثلما حدث مع عائلة احد المتورطين في قضية التلاعب بأوراق البورصة و التي روج لمشاريع وهمية واستهتر فيها بأموال المساهمين و تمت سرقتها ، حسب الصحافة الأردنية، عام ٢٠١١،و تم التلاعب بأموال مساهمين شركاته؟، وتم تهريبه من خلال ميناء العقبة تحت اعين وحراسة أحد كبار مسؤولي الدولة .

جرائم الفساد لا تسقط بالتقادم حسب الأنظمة و القوانين المعدة لذك في الأردن و لكن في عام ٢٠١٦ و في عهد حكومة الدكتور الملقي قدمت الحكومة قانونا لحماية رجالات الدولة العميقة ، ووضعت النصوص التي وافق عليها مجلس النواب، حيث جاءت المقر خالية من (ان جرائم الفساد لا تسقط بالتقادم) بعكس ما هو وارد في القانون الأصلي المقدم من الأمم المتحدة و كان ساريا في الأردن ، حيث تم الغاء الفقرة (ب) من المادة (28) والتي نصت على: (لا تسقط بالتقادم دعوى الحق العام والعقوبات المتعلقة بالفساد كما لا يسري التقادم على استرداد الأموال المتحصلة عن الفساد. بذلك حمت حكومة الملقي الفاسدين القدامى وساعدتهم على الاحتفاظ بما سرقوه من أموال، فهل يجرؤ الدكتور عمر الرزاز علي محاسبة الدكتور الملقي على هذا القانون؟ وهل يقدر على تقديم قانون جديد يعيد ” ان جرائم الفساد لا تسقط بالتقادم؟

ضمن حماية الشهود، الأسماء متوافرة ، ويمكن مسائلة مدير دائرة مكافحة الفساد السابق اللواء سميح بينو، أحد أنظف ضباط المخابرات واكثرهم شفافية ومصداقية في التعامل، والذي صرح مؤخرا للصحافة ان بعض النواب كانوا يعيقون محاربة الفساد وتطبيق الأنظمة.

لا يحتاج رئيس الحكومة الي أجهزة للبحث والتحري، وآليات التحقيق الاولي، والتحقيق النهائي والاتهام، والضبط وغيره من الإجراءات لإثبات جرم الفساد، كل هذا موجود ويسهل الرجوع اليه بهاتف، فقط مطلوب السماح بحرية الصحافة لتناول الفاسدين، دون التشهير، لان اسمائهم وشركائهم معروفون، والملفات جاهزة رهن الإشارة إذا ما رفعت “الحماية ” عن الدولة العميقة.

أكبر أنواع الفساد، ليس ماليا، بقدر ما هو سياسيا، حيث يتم الاستهتار بمطالب الشارع من خلال تعيينات بعض من تثار حولهم الشبهات في مناصب عليا، وإعادة وزراء الي الحكومة، وفي التستر على الفاسدين ان لم يكن الدفع بهم الي اعلي مناصب الدولة ضمن حماية عميقة ومؤثرة في عمق الدولة.

ان تلك الخطوات، تسببت في شرخ كبير في الجدار السياسي بين يقين الشعب وتردد رئيس الحكومة عمر الرزاز في اتخاذ موقف حازم.، خصوصا و ان التغيير الوزاري لم يقدم جديد.

aftoukan@hotmail.com