الــجَــمْــكَــة / كامل النصيرات

الــجَــمْــكَــة

كامل النصيرات

أذكرُ فيما يذكر المسخمط ..أن والدي في التسعينات أصرّ عليّ إلا أن أذهب إلى (الحسبة – السوق المركزي ) في عمّان أيّام كان (في الوحدات) ..وأن أجلب له حساب الخضرة التي كان يورّدها (للكومسنجي)..! كنتُ أعتقد أن الحساب مثل كل مرّة ..(200 أو 300 أو 400 )..و التي كنتُ أجلبها و يدي لا تغادر جيبتي من الوحدات إلى قرية الكرامة في الغور ..خوفاً من أن ينتشلن منّي أو يسحلن أو يصير أي شيء أفقدهن ..وتكون طامّة الطامات ..
وتفاجأت هذه المرّة أن المبلغ ينقص عن الثلاثة آلاف دينار قليلاً ..قليلاً فقط ..وهذا أكبر مبلغ أمسكه في حياتي حينها .. شعرتُ بدوّار..عددتُ المبلغ ثلاث أو أربع مرات ..المبلغ غالبيته من فئة العشرين دينارا ..يعني ( جَمْكة ) وعندما تطويه يصبح (منتفخاً) ..يا ويلي ويا ويل ويلي ..! كيف سأحمل كل هذا ..؟
صرتُ أنظر للجميع وأنا أمشي خطواتي ..كنتُ أشعر بأنهم كلّهم مجرمون ..كلهم ينتظرون أن يستفردوا بي وينقضّوا عليّ ..بدّلتُ مكان المصاري أكثر من مرّة ..مرة في الجيبة الخلفيّة ويدي حاطها وراي ..لالا هيك سأجلب الانتباه لي ..وضعتها في جيبة (الفيلدة ) الداخلية ..بس نبضات قلبي تتسارع ..وأحدهم كأنه رآني عندما نقلتُ الحمولة من الجيبة الخلفيّة إلى الفيلدة؛ لذا يجب تغيير المكان سريعاً ..بحركة اعتقدتُ بأنها ذكيّة وضعتُ المبلغ في الجيبة الأماميّة للبنطلون ..وهيك انتفخت الجيبة ولكن كل خطوة لي سأشعر بوخز المصاري على فخذتي ..!
قمة الارتباك ..صعوبة في الحركة ..اريد تاكسي بأي طريقة ..لون وجهي يعطي جميع الألوان ..قبل أن أصل الشارع الرئيسي و من جمهرة الناس في الحسبة سقطتُ أرضاً ..قمتُ على السريع ..مشيت خطوات ..سقطتُ ثانيةً ..وقفتُ وأنا ( أشرّ عرقاً ) ..وعند سقوطي الثالث ..قال لي رجل كبير جملة لم أنسها طوال حياتي : قوم قوم ..بتشتروا كنادر وما بتعرفوا تلبسوها ..! اعتقد المسكين أن المشكلة في الكندرة ..وما درى أن المشكلة في (الجمكة) التي تعيق حركتي وحركة الشعوب ومن أجلها تقوم كل هذه الحروب التي نراها اليوم ..
وجمكة يا دنيا جمكة ..!! يرحم أيّام الجمكات..