ذات مشهد! / احمد حسن الزعبي

ذات مشهد!/ احمد حسن الزعبي
أنا ضدّ أن تجدد المشاهد في الأغاني الوطنية القديمة ، دعوها هي نفسها ، فعندما تربينا على أغنية “عمّان” بصوت نجاة ، لم يطربنا اللحن والكلام وحسب ،وإنما كانت تطربنا وجوه الناس الذين كنا نراهم في الأغنية ، صور سيارات السرفيس “المرسيدس” والركّاب البسطاء ،والشماغات المعتّقة بالعرق والكرامة والعقل المائلة فوق الرؤوس ، ووجه عمّان القديم ،كان يطربنا لباس رجال السير العتيق ،والنخل الفتي ، وباعة الجرائد ، والمشاريع الجديدة ، والأحلام الطرية التي كانت ترافقنا ذات طفولة ..لا تجدّدوا المشاهد في الأغاني واتركوها على حالها ..علّنا نتذكّر الأردن الأب الذي كان يجمعنا حوله ،حيث كان العيش أكثر سهولة ،واللقمة أكثر توفراً، والحب يُروى على الرصيف..والكراسي أصغر بكثير من الجالسين عليها ، والصورة أكثر وضوحاً وجمالاً وإشراقا…لا تزوّروا المشاهد اتركوا لنا جزءاً من ذاكرتنا النقية العفوية المفعمة بأردنيتنا نقتات عليه بعد أن فسُدَ المذاق واختلت الصورة وصار المشهد أكثر قتامة والعيش “عنق زجاجة”..
اتركوا لنا “طرب الأغاني” وطرب الانجاز وطرب المسيرة وطرب الرجال الذين لم يخذلونا يوماً أو يرفعوا أصواتهم في حضرة الأردن..”شمس الأغوار” كانت أكثر خصوبة ، وقمح الرمثا أطول قامة ،وعيادات أربد القديمة اقل وجعا ، وأدراج عمان أحنّ على أقدام السائرين ، كانت الأعراس توقظها شبّابة ودبكة ، تنام البيادر على قصص القمر الصيفي ، وتصحوا المناجل من حناجر العصافير المتخمة ، كانت السلط غلّة ، والكرك تسكب حليبها في “سعن”الطفيلة ، كانت الأردن تشبهنا ، رجالها يشبهوننا،خطابها يشبهنا ، سياسيوها يشبهوننا، اقتصادها يشبهنا ، رغيفها يشبعنا ..لقد أفسدوا كل شيء فيه ، كل شيء..هذا الوطن الجميل الذي حفظنا كل أناشيده في الصفوف الأولى ونمنا على أصوات مذيعي الأخبار ذات صيف، و على رائحة القمح القادم من سهول الحصاد ..أنهكه التجريب ، وأنهكه مراهقو السياسة ، والناجحون تلقائياً في صفوف التخلف..لا تجدّدوا المشاهد في الأغاني الوطنية فقد أوجعنا التجديد..لا تزوروا المشاهد أرجوكم ، علّي ألمح وجه من كنت أحبهم ذات مشهد!

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com