د . ابراهيم الطيار يكتب :الشاعر المرحوم نايف أبو عبيد سنديانة باقية في ثرى إربد

كنانة نيوز –
الشاعر المرحوم نايف أبو عبيد
سنديانة باقية في ثرى إربد
د . ابراهيم الطــيار
إلتصق الشاعر المرحوم نايف أبو عبيد بالأرض وأحبها وانتمى بكل جوارحه لكل ما فيها فكان سنديانة شامخة وراسخة في ثرى إربد وربابة عزفت لحن الوفاء لتراب هذا الوطن فأحبه الوطن، فلم ينسى شاعرنا المرحوم نايف أبو عبيد وهو الذي يحمل مؤهلاً باللغة العربية لهجته الحورانية الإربدية فكتب فيها أجمل ما كتب، ومزج بين كتابة الشعر الشعبي والشعر الفصيح فأبدع فيهما، فهو ابن تراب هذه الأرض وخيراتها وابن قسوتها وحبها وشدتها ورخائها، عاشقٌ لبهجة مواسم الحصاد وشدة الإعداد لذلك، سافر بين تضاريس تربتها الحمراء القانية ورحل مع قطرات موسم الخير قطرة مطر في سيقان نباتاتها ليكون فيها كدحنونة مَزجت لون التربة مع لون بتلاتها فتناثر عِطرُها في كل الأرجاء، ليصبح نغمة في ناي راعٍ أو رَجعُ صوت صبية إربدية قالت ميجانا وعتابا فتردد صدى صوت زغاريت الفرح بين جدران البيوت القديمة في حاراتنا.
ليصير شاعرنا المرحوم نايف أبو عبيد كصوت القرية النقي والهادئ عندما كتب “أغنيات للأرض” وتردد صوته ما بيننا كما ترددت “هُرجة وحكايا ليل” في ليلة من ليالي حزيران الوادعة المقمرة، ليصبح مثلها “ديوان قريتنا” مصدر إلهامه عندما استمع فيه لكل الحكايات ولكل ما “قال الراوي” فأزهرت السنوات والذكريات في “ارجوان العمر”، وأما “فلسطينيات” فمثلت جرحه وألمه وأمله، فيرسل رسالة يقول فيما بين دفاتها “سلام عليَّ وسلام عليها”، وليوصي بها كما أوصى بها غيره، عندما قال
أمي قبل ماتموت ع الراس حبتني
وبحاكورة الرمان يا أخوان وصتني
وقالت إلي گلمات للأرض شدتني
الأرض مثل العرض يا أبني
حافظ على خيراتها وإبني
قصر الهنا فيها لبنه على لبنه
ولم يفارق أبداً شاعرنا المرحوم نايف أبو عبيد عشق الأرض والأجواء الريفية المتسمة بالمحبة والصفاء تلك التي حفرت أجمل الذكريات في خاطره فتمنى العودة إليها والعيش فيها بين لمة الرفاق على مصطبة الدار وهم يلعبون المنقلة ويشعلون النار ويأكلون من خبز طابون ساخن، في ظل تينة ودالية
يا ريت عندي فوق هالتله
تينه كبيره وداليه وسله
ومهباش نشمي ينده الخُطَّار
وفنجان صيني يغازل الدله ،،،
يا ريت عندي من قمح حوران
بيدر كبير واطعم الجيعان
ولو ظل عندي بس خرج بذار
ايد الكريم تبارك الغله ،،،
ويقول واصفا حياة الفلاحين الذين يحصدون بمنجلهم محصولهم ليتركوا حاجتهم منه ثم يقومون ببيع ما تبقى مقابل الذهب الرشادي ليزوجوا ابنائهم ويشتروا احتياجتهم كما كان سائداً في ذلك الوقت
لوما المنجل يا بوهلال
ما عمرت ها البيادر
خلي القمح تلال تلال
وعبى منه هالكواير
يطول عمرك يابوهلال
قمحك ذهب رشادي
عالبيدر جوز العيال
وخلي اليرغول ينادي
وقد تنقل شاعرنا ما بين مسقط رأسه في الحصن إلى إربد للدراسة مشياً على الأقدام فعاش بين دحنون هذه السهول وأبحر في لجة سنابل بحر إربد الذهبي في سهلها الممتد، وداعبت روحه طيب هذه الأرض في كل المواسم، فاستمد منها الرفعة والشموخ والطيبة، فما بين تل الحصن وتل إربد حكايات كثيرة قالها بإيجاز
ما بين ذاك التل والتل
يمضي الزمان وينمحي ظلي
مدت سهول الحصن مطرفها
نيسان وشاها على مهلِ
ياطيبها والخير في يدها
تُعطي بلا مَنٍّ ولا ذلِ
فكما سعى خلف التعلم في مسيره ما بين تلي إربد والحصن، سعى أيضاً خلف التعلم والمعرفة والشعر فهو يقول في قصيدته الوصفية
كنت ابن سبع وعشر حين ناداني
صوت العشيات في ليلي فأشجاني
فَرُحتُ ألهث خلف الحرف أتبعه
فشدني الحرف ياشيخي وأغناني
فهو كما تعلق بالماضي وذكرياته الجميلة تعلق قلبه أيضاً بمدينته المحبوبة لديه إربد، فأوصى بها وانتقد بعض الفوضى التي تشوب جمالها وقال
إربد،، جميلة والحلا خلخالها
ربي خلقها متوجه بجمالها
سبحان ربي هاي كتبه مقدره
حرة أصيلة تنتظر خيالها
إربد مليحه والحلا راسمالها
بدها أيادي مصيته بافعالها
وقال في إربد أيضاً
يا إربد الخرزات معذرة
يا أم من ثاروا على الذل
ظلي لنا جمَّاعة الشمل
ظلي لنا ياقلعة الظل
وفي الغزل أبدع شاعرنا المرحوم حين وصف العيون وتغزَّل بفاتنة الحي، ووصف مشاعر الهوى والوجد التي كانت تنتابه عندما يراها،
على باب الهوى عِلِق روحي
وشربت الصمت حتى مل روحي
يادكتور الهوى دواوي جروحي
على الله يطيب مجروح الصبايا
وكما أوصاه والده وأمه واخوه بالبلد وبالأرض وبالمحافظة عليها بالأغلى والأثمن أوصى هو أيضاً بهذا البلد حباً وانتماءً، عندما قال
هاي البلد يا عيال كل الهنا فيها
من غورها يا عيال حتى صحاريها
هاي البلد يا عيال علوا سواريها
وكونوا لها يا رجال تبلغ مراميها
وكونوا لها يا رجال تحلا روابيها
نعم فالمرحوم الشاعر نايف أبو عبيد هو رمز شعري مزج ما بين لوني الشعر الشعبي والفصيح، وأجاد هذا المزج لأنه نابعٌ من روحه ومن صميم حسه الفطري المنبثق من الأرض التي ينتمي لها والمرتبط بتاريخ الأمة ولغتها التي يجب أن نحافظ عليها لنحافظ على هويتنا ومستقبلنا، في كل الأوقات.